الجاسر.. انه مدخل الجزيرة أبا، بل بوابة التاريخ لهذه الرقعة الصغيرة التي إحتضنها النيل الأبيض بدفء كما إحتضن الأزرق توتي.. فالتاريخ أنجب هذه المدينة.. فتوشحت بثوب البطولات والحكايات العظيمة.. فالجاسر كان حكاية من حكايات أبا والزمن الجميل التي يحملها النيل ويرسلها في «نسيمة» ترحب بك في همس عصافير الجاسر.. وتتمايل النخلات على شاطيء الجزيرة لتروي لنا حكاية المعبر. هنا كانت البداية مع العم سعيد العشا كيف شيدوا معبراً على النيل حتى بدا كالأسطورة، فقال: المأساة هي التي حوّلت كل شيء فسكان المنطقة كانوا يستغلون المراكب ليعبروا النيل.. الى أن جاء يوم، تحول فيه الشاطيء الهاديء الى مرفأ للأحزان ذلك عندما غرق المركب، فلم يبق شيء.. يقول عمنا العشا: في ذلك اليوم بكى كل حي في أبا وقد كانت سرادق العزاء في كل شوارعها. ويواصل حكاية الجاسر فيقول: قبل ان ينطفيء الحزن من مأساة الحادث أشار الإمام عبد الرحمن المهدي لبناء جسر للعبور إلى الضفة الشرقية.. فجاء حماس أهل المنطقة فكانت الطبيعة سخية.. فالنيل كان هادئاً يصلح لاقامة جسر فبدأ العمل بقطع الأشجار والكتل الكبيرة لعمل الردمية الأولى والقفاف لحمل التراب تم ذلك في يوم واحد ومن فرط حماس أهل الجزيرة كان الفرد الواحد يحمل «قفتين» على كتفيه.. فمشهد العمل جمع النساء والأطفال والشباب حتى كبار السن شاركوا في العمل. ففي العام 1591م إمتد جسر التواصل بين الضفتين بعدها خرجت الألحان من موسيقى الأنصار أي «المزيكة» كما يسمونها وعزفت لحناً جميلاً جعل الأطفال يرقصون كفرحة العيد.. لتصبح الجزيرة أبا بانوراما للاحلام الملونة.. عبر هنا القادة والسياسيون والعلماء وأهل الفن تاركين زخماً من الحكايات يتناقلها سكان الجزيرة..جاء الملك فيصل عابراً هذا الجاسر فسمى الطريق باسمه «شارع الملك فيصل» تيمناً بزيارته. بل أكثر من ذلك فالمواليد في ذلك اليوم أو الشهر أطلق عليهم إسم فيصل. فالجزيرة أبا ككل مدن السودان يفخر أهلها بتاريخ المهدية التي توجد آثارها في كل ركن من أركانها.. الامام المهدي الذي زاره الملك فيصل في العام 8691م وتم تمثيل واقعة أبا أمامه وقدم له الإمام الهادي نمراً وحربة ولهذا المكان سحر خاصة عند العصر يتحوّل المكان إلى بستان من النور والصخب والإستمتاع بالحياة بقرب مكان التاريخ.. فالجزيرة أبا قصيدة لن تنتهي.