تعالت أصوات الزغاريد في منزل محمد عمر الفضل في قرية ود الفضل بعد إعلان نتائج القبول للجامعات وقبول ابنته «جهاد» بكلية الآداب جامعة الخرطوم. جهاد الآن تحجز مقعدها بين الطلاب «المبصرين» بكلية الآداب بنسبة «84%» بعد ان فقدت نعمة البصر منذ صرختها الأولى. ولكنها تسلحت بالصبر والإرادة واليقين وهي تواجه الحياة دون ان تبصر منها شيئاً.. وكيّفت أوضاعها لتعيش حياة طبيعية دون أن تشعر بأنها أقل قامة من أقرانها الذين يرون وجه الحياة الحقيقي. تحكي تجربتها مع الإعاقة البصرية: «لم أشعر يوماً بأنني كفيفة أعيش حياتي بشكل طبيعي، أمارس واجباتي في المنزل من ترتيب للمنزل وكنسه وغسل للأواني خاصة «عدة» الفطور، وأشارك في مناسبات القرية بغسل العدة». جهاد ابنة «17» ربيعاً.. انعم الله عليها ببصيرة نافذة تعويضاً عن فقدها البصر، تقول والدتها: «منذ لحظة ميلادها لاحظت أن عينيها غير طبيعيتين».. ويؤكد والدها: «تأكد لي أنها نابغة من خلال موقف محدد، كنت مسافراً وعدت للمنزل بعد غياب طويل وكان عمرها يومذاك لم يتجاوز العامين، وما ان سمعت صوتي حتى صاحت «بابا.. بابا». جهاد تعتمد على ذكائها في التعليم فهي لا تجيد الكتابة البتة ولكنها تستطيع ان تحفظ عن ظهر قلب كل جملة ترد على الشفاه..! تمارس حياتها بتوفيق من الله وتخطيط من أسرتها.. ويقول والدها محمد عمر: «اضطررت لتأخير اختها انتصار سنة كاملة حتى تستطيع ان ترافق اختها». ويرى معلموها انها جاءت للمدرسة متفوقة وألحقت بالمرحلة الثانوية عن جدارة.. وظل ترتيبها من المبرزات بين الأولى والثالثة. ويقول مدير مدرسة ود الفضل الثانوية بنات: «جهاد من نوع البنات اللائي يجبرنك على الاحترام». تتمتع جهاد بروح مرحة وتجيد صناعة الطرفة، وتقترح ان يدرس التاريخ في مرحلة متقدمة، تحديداً من ثالثة أساس لأنها مادة مهمة، وتعتمد على قراءة الواقع وتحليله، وهي تحب التاريخ. من الأشياء اللافتة في شخصيتها.. حينما تجد متسعاً من الوقت تتابع القنوات الفضائية عبر الريموت كنترول، معتمدة على حاسة السمع فقط.