بهدوء تنظر الخرطوم لمآلات المفاوضات التى يتوقع ان تبدأ اليوم الثلاثاء بأديس أبابا بين السودان ودولة الجنوب بعد ان بذلت اللجنة رفيعة المستوى برئاسة ثامبو امبيكى جهودا كبيرة لإقناع الطرفين بالجلوس للتفاوض، بينما تنظر جوبا لهذه المفاوضات بحذر وترقب، وتتجه الأنظار الدولية والمحلية الى ما ستسفر عنه المباحثات فى ظل مهددات مجلس الأمن الذى وضع ثلاثة أشهر سقفا نهائيا لان يتوصل الطرفان الى اتفاق وإلا وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام العقوبات الأممية في القرار 2046 . هدوء الخرطوم يأتى من انها تفاوض من مركز قوة باعتبار انها حققت انتصارا على المستوى العسكرى باستعادة مناطق كانت تحت قبضة حكومة الجنوب، بجانب ان موقفها من تصدير نفط الجنوب هو الأقوى لان دولة الجنوب ستضطر الى تصديره عبر أنابيب الشمال. ومع تعقيدات الأحداث وتطوراتها والتى جرت مياه كثيرة ما بين الاتفاق الاطارى الذى كان مزمع ان يتم التوقيع عليه وتصاعد التوترات عقب احتلال منطقة هجليج والمناوشات العسكرية التى حدثت بمناطق الحدود بين البلدين. وعلى الرغم من جهود ثامبو ولجنته رفيعة المستوى وعبر جولاته المكوكية مازالت الأجواء تبدو ملبدة بغيوم الشكوك وغياب الثقة بين الطرفين. فبينما يتأهب الطرفان الى مواصلة المفاوضات سارعت جوبا بضم منطقة خامسة متنازع عليها الى خارطتها الأمر الذى جعل الخرطوم تتقدم بشكوى الى مجلس الأمن ومناهضة الخطوة والتى اعتبرتها خرقا لقرار مجلس الأمن 2046 وأردفته بشكوى أخرى تتعلق باعتداء دولة الجنوب على مناطق داخل حدود السودان وتوغلت لأكثر من 20 كيلومترا شمال حدود 1956 فيما رفضت دولة الجنوب ان تبدأ المفاوضات بالملف الأمنى بينما اعتبرته حكومة السودان أهم الأجندة التى ينبغى ان تبدأ بها المفاوضات. إزاء هذه الأجواء المتوترة تبدو بحسب توقعات بعض المراقبين فرص النجاح قليلة على الرغم من تهديدات قرار مجلس الأمن الذى لوح بانفاذ عقوبات على أى من الطرفين حال التباطؤ تجاه التفاعل مع القرار، ولكن آخرون قللوا من خطورة القرار الذى اعتبروه لا يعدو كونه وسيلة لحث الطرفين لوقف العدائيات والجلوس للتفاوض ولن يكون سيفا مسلطا على رقاب جوباوالخرطوم وهما يدركان تماما ان ما يحمله القرار لن يُنفذ، لذا توقع هؤلاء بان يتعنت كل طرف ويتخندق عند موقفه وربما يكون اكثر تشددا فى آرائه التى تنحصر فقط فى الحصول على مكاسب أكبر . والبعض اعتبر أن جوبا ربما تتخوف من أن الملفات الأمنية التى تشدد الخرطوم على البدء بها قد يطول أمدها كونها اكثر الملفات تعقيدا بينما الأوضاع الاقتصادية تشهد تأزما كبيرا بالجنوب بسبب توقف تصدير النفط الذى يمثل 98% من مواردها ما يجعلها أكثر إصرارا على البدء بملف النفط فيما ترى الخرطوم ان بحث اى من الملفات الأخرى قبل حسم قضية الملف الأمنى لايجدى بل سيفشل الجولات الأخرى التى تلى هذه الجولة. مخاوف جوبا وتشدد الخرطوم جعل بعض المحللين يتوقع ان تفشل المفاوضات من أول جولة ما لم يستخدم الوسيط الأفريقى نفوذه، وقال المحلل السياسى بروفيسور حسن الساعورى (للرأى العام) فى سياق توقعاته لمآلات المفاوضات، انه يمكن ان تحقق ومنذ الجولة الاولى تقدما كبيرا باتجاه التوصل الى اتفاق واشترط ذلك بعاملين أساسيين، أولهما قدرة الوسيط (رئيس الآلية رفيعة المستوى) على استخدام نفوذه بالضغط على الطرفين لجهة الاتفاق على أجندة يمكن ان تؤدى الى توافق ومن ثم اتفاق يتراضى عليه طرفا النزاع، اما العامل الآخر فهو ضرورة فحص استراتيجية دولة الجنوب فى التفاوض والتأكد من استعدادها للمباحثات بجدية لأن فى الجولات السابقة عُرفت بالمراوغة وعدم الجدية لذا فانها كثيرا ما انسحب مفاوضوها قبل ان يكتمل الاتفاق ، واعتبر ان مقياس الجدية هو وقف العدائيات وهذا بالضرورة يعنى إيقاف الدعم عن المتمردين والحركات المسلحة وأضاف ان الاختراقات والاعتداء على الحدود السودانية هو جزء من العدائيات التى تزيد من التوترات مما يقلل فرص نجاح أى تفاوض عدائيات دولة الجنوب تعتبر أول خطوة فى تعثر المفاوضات ويتوقع أن تكون عقبة كبيرة فى إحداث تقدم ملموس فى هذه الجولة المحلل السياسي د. خالد حسين اعتبر ان مشاركة شخصيات معارضة لها وزنها بأحزابها يمكن ان تكون رسالة (قوية) من الحكومة بأن المفاوضات يمكن ان تقبل كل الآراء وصولا الى اتفاق يرضى كل الشعب السودانى. وبحسب توقعات د. حسين ان حكومة السودان ستكسب هذه الجولة واشترط ذلك بان يستغل الوفد السودانى موقف السودان الأكثر قوة اذا ما قارناه بمواقف الجنوب التى تبدو هشة وضعيفة بعد الخسائر التى منيت بها بمعركة هجليج، خسرت فيها التعاطف الدولى الذى كان لأول مرة منحازا للسودان وكان آخره ما عبر عنه ليمان المختص فى الشأن السودانى الذى أثبت خروقات الحركة الشعبية باعتدائها على هجليج ، هذا إضافة الى الالتفاف الداخلى الذى حُظيت به الحكومة، بجانب ان حكومة الجنوب تواجه صعوبات اقتصادية غاية فى التعقيد بسبب توقف تصدير النفط ما جعل البنك الدولى يطلق انذارات بان اقتصاد الجنوب سيشهد انهيارا بحلول شهر يوليو المقبل . وتوقع ان تلجأ دولة الجنوب الى أسلوب المراوغة والتمنع حتى تظهر بانها ليست فى حاجة الى توقيع اى اتفاق او ربما استخدمت أسلوبا استفزازيا يجعل وفد الحكومة ينسحب من المفاوضات، فتحمله وزر الفشل لذا من الأفضل ان يتحلى الوفد بكياسة سياسية عالية فى هذه الجولة التى تحيطها الكثير من المخاوف وربما أسفرت عن مفاجآت غير متوقعة.