في كتابه الجديد (انفجار الفضائيات العربية) الصادر عن دار (غيداء) للنشر والتوزيع في الاردن, اشار الباحث اليمني الاسد صالح الى انفجار عدد الفضائيات العربية اليوم الى ما يزيد عن (825) فضائية عربية واخرى اجنبية ناطقة باللغة العربية ، تبث على الاقمار الصناعية العربية والأجنبية..! وتوصل الباحث الى نتيجة مهمة جداً في ما يهم ذلكم الكم الهائل هذا من الفضائيات العربية (الموجهة) للمشاهد العربي على الجانب الثقافي وخاصة في ما يتعلق منها بالتأثير على الجانب الاخلاقي والسياسي للشباب العربي والمشاهد لبرامج تلك الفضائيات المتنوعة الأهداف والغايات.. اذن كيف يمكننا أن ننظر في البث الجديد للفضائية السودانية (البحر الاحمر) التي بدأت بثها, وما هي مقومات التميز التي تمتلكها..؟! في دراسة للمنطقة العربية للتنمية أظهرت الدراسة أن( 69% ) من الجمهور العربي يشاهد الفضائيات لما يزيد عن ال(3 ) ساعات يومياً, خلصت فيها الدراسة الى زيادة المنافسة بين الفضائيات الخاصة والحكومية.. مع ترجيح واضح لكفة الفضائيات الخاصة.. في الاسبوع الأخير من شهر ابريل الماضي أطلقت مدينة بورتسودان فضائية جديدة, كأول قناة ولائية تبث خارج العاصمة على القمر نايل سات في بث تجريبي لفترة ثلاثة أشهر لينطلق بعدها البث الرسمي للقناة.. ومنذ الساعة الأولى للبث وحتى نهاية مايو المنصرم أشار أحد المشاهدين المداومين لها بقوله: (دي قناة بتاعت هجيج ساكت, ومن برمجتها الأولى وحتى الآن, شغالين أغاني بس).. وقد صدق هذا المشاهد.. حيث حرصت الفضائية ومنذ أول دقيقة بث على فرض هذا المضمون على المشاهد, فقد تداولت ساعات البث (ندى القلعة, فرفور, حسين الصادق, والراحل نادر خضر).. ليطفح السؤال المؤلم: (ما مضمون الرسالة الاعلامية لهذه الفضائية..؟). ألم تكفنا الفضائيات الفاشلة مثل زول والأمل وهارموني وقوون إلخ..؟! كان المشاهدون يتوقعون تميزاً وتفرداً برامجياً ومشهدياً للقناة, وكان الجمهور يأمل في تقانة جديدة لضبط الصوت والفيديو ومعرفة مقاييس وجودة المنافسة, وكنا نمني النفس بفرادة برامجية ممتعة ومتنزه للمشاهدين بالتعرف على انسان الشرق الذي ظلمه الاعلام كثيراً, وكذا كنا نأمل في أن نشاهد وثائقيات على درجة عالية من الجودة للمناطق السياحية, اضافة الى فك شفرات البجاوية والارومية والامهرية والتقرنجا. كنا نأمل في قناة تعبر عن الشرق.. آماله.. طموحاته.. مقدراته.. وتوقع المشاهد السوداني بكل الولايات ضخ المفردات الشرقية الحصرية الى التداول الاعلامي ممثلة في طعم اسماك (الناجل) وطعم المخبازة, الكرشو, السلات, القهاوي في ديم سواكن, ديم مدينة, والشعب المرجانية والأصداف والنوارس وصوت الغراب.. وموج البحر! )ايتانينا.. دبايوا.. برامج الغطس, مهرجان السياحة), وغير ذلك من مفردات الشرق الساحرة.. الغريب في الأمر ان الفضائية لم تعرف بنفسها أو بمنسوب الولاية اللغوي والاصطلاحي حتى تخلق لها كياناً أو تميزاً.. أوردت موسوعة (ويكيبيديا) ان اصطلاح (البحر الاحمر) هو ترجمة مباشرة للكلمة اليونانية (إىيثرثالاسا) واللاتينية (ميررو بروم) بدلاً من الكلمة (سينوس اراسيكوس) التي تعني حرفياً (الخليج العربي) حيث كان (البحر الاحمر) يعرف عند العرب القدامى باسم (بحر القلزم) وفي اللغة الصومالية (باداكاس) وفي اللغة التجرينية (جيه باهري).. كانت هذه المفاتيح الاصطلاحية واللغوية كافية للتعريف بالفضائية (ملحوظة: للمصريين قناة بذات الاسم), كان يمكن للفضائية السودانية وضع شعار برامجي مميز لها, يميزها ?على اقل تقدير- عن الفضائية المصرية التي بدأت البث قبلها في أثير الفضاء.. كان.. وكان.. الكثير من موجبات التميز ان تضعه الفضائية حتى تعرف بنا, وبها, وتحتكر لها جزءاً من العيون المشتتة في الريموت كنترول. ففي أحد اللقاءات التلفزيونية اشار د. امين حسن عمر ابان توليه ادارة الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون بان ميزانية تلفزيون السودان أقل من ميزانية مكتب قناة الجزيرة بفلسطين! اذا كان هذا حال الفضائية (الأصل) فكيف حال فضائية (ولائية) كالبحر الاحمر..؟ وكان منتدى دبي للاعلام العربي في آخر جلسة له ذكر بان عدد الفضائيات العربية الخاصة يتجاوز (خمسين ضعف) عدد القنوات الحكومي .! واشار المنتدى الى أن انصراف الجمهور العربي عن القنوات الحكومية (مركزية وولائية) يرجع الى تفوق الفضائيات الخاصة في مستوى البرامج والتقانات. وختم المنتدى الاعلامي بدبي دراسته بقوله انه اذا لم تتوافر لدى القائم بالاتصال الاعلامي (الحكومة) عن خصائص الجمهور الديموغرافية والاجتماعية, فسوف يفقد مقدرته على التأثير والانتقال برسالتها الاعلامية الى التنافس والمواجهة مهما كانت الوسيلة الاعلامية لديه. عموماً.. يتمتع البحر الاحمر _خصوصاً اليوم_ بمشهدية واضحة في اجهزة الاعلامي العالمي, بدءاً من احداث التفجير في عربة البرادو ببورتسودان مروراً بنجاح مهرجان السياحة الخامس الماضي والذي حقق ايرادات مالية غير مسبوقة, اضافة الى جفاف ينابيع السياحة العربية اليوم بسبب ثورات الربيع العربي وتوجه كل السياح الى مدينة الثغر كبديل طبيعي للأخريات.. كان يمكن لهذه الفضائية الوليدة الاستفادة من كل هذه المقومات والمعايير النهضوية لصناعة رسالة (غير).. ولكن كما يقول المثل (الغربال الجديد ليهو شدة)!! ونحن ننتظر أن يصبح الجديد ذا خبرة, وتقدم هذه الفضائية فرادة وخصوصية هي أهل لها, كيف لا وهي تحمل اسم أجمل ولايات السودان (البحر الأحمر), وجمال وروعة أهل البحر الأحمر!