ليست المرة الأولى التي تتقاذف الحكومة والمعارضة الاتهامات في وجه بعضهما البعض بتضييع البلاد ومن عليها من عباد، بالرغم من اتفاقهما حول فعل الضياع غض النظر عن الفاعل أو المتسبب فيه، ظل المجهود والتركيز منصباً على إبراء الذمة والهروب من المسئولية، مسئولية الضياع بالطبع. الوطني آخر اتهاماته جاءت على لسان القيادي الأعلى صوتاً قطبي المهدى بقوله أمس (الناس ديل ودوا البلد في ستين داهية) في إشارة للمعارضة، مستبعداً حدوث ربيع عربي في السودان على غرار الدول العربية الأخرى باعتبار أن الشعب لن يخرج لإسقاط النظام في ظل وجود قيادات المعارضة الحالية.. (داهية) قطبي التى وصف بها مصير البلاد، لم تكن حكراً عليه إلا كنص أو مفردات ، فالمعارضة السودانية ظلت تتحدث عن ضياع السودان طيلة عقدين منذ وصول الإسلاميين للحكم، مبتدرةً ادارة شئون العباد بانتهاج المنهج الرأسمالي اقتصادياً تحت فتاوى تحرير السوق، واتخذت في الوقت نفسه طريقاً احتكارياً لوظائف الخدمة المدنية ومؤسسات البلاد العليا تحت عنوان التمكين ما أفرز للشارع جيوشا من العاطلين بفعل الصالح العام وفق ترمومتر (عدم الولاء) وهو ما أعلن رئيس الجمهورية عمر البشير مؤخراً انتهاء عهده أى التمكين.. بالإضافة لتبني منطق (العين الحمرا) في حل مشكلات الأطراف وخروجها عن السلطة المركزية، وتبني الحل العسكرى في مواجهة الحركات المسلحة لإجبارها على التفاوض. ناشطون في المعارضة سخروا من اتهامات الوطني، منددين بسياسته في ادارة البلاد ، مدللين على ما يشهده السودان حالياً من تدهور اقتصادى مريع بعد خروج الجنوب من الجغرافيا الوطنية ونفطه من الموازنة القومية، واستمرار التدهور حد رفع الدعم عن المحروقات الذى أفضى للاحتجاجات. في المقابل يرى الوطني طيلة مسيرة اتهامه للمعارضة أنها عميلة وتفضل الأجنبي على الوطنى وتستدعي تدخله في الشئون الوطنية، بل ويمكنها التعاون في تسهيل ذلك التدخل وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة باعتبارها معارضة وطنية تاريخية وان استعانتها بمراكز الفعالية السياسية في العالم لا يرتبط بأى أجندات غير وطنية أو تنازلات في التراب الوطني، بعكس الوطني الذى تراه متراخياً في الحفاظ على البلاد. مراقبون يرون أن للطرفين حظهما في تضييع البلاد، المعارضة بقصور نظرها واعتمادها على رزق اليوم باليوم وعدم قدرتها على توحيد مواقفها السياسية، وان حدث ذلك فيكون أحد أطرافها متراخياً في الالتزام بما تم الاتفاق عليه وهو ما تؤكده تجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتحالف جوبا ومؤخراً تحالف القوى الوطنية. ويلقي البعض باللائمة على المؤتمر الوطني فيما وصلت إليه البلاد منذ مجيئه عبر انقلاب كان بداية التدهور بقطعه الطريق على التطور الديمقراطي في الذهنية الشعبية وتكريسه كمنهج للتداول السلمي للسلطة والثروة، متجاوزاً حقيقة أن معالجة سلبيات الديمقراطية يتأتى بمزيد من الديمقراطية وليس العكس، إلى جانب تفشي النعرات القبلية والجهوية خصماً على الولاء الوطني الكلى للوطن ما يشكل مهدداً للأمن القومي السوداني من جهة ومهدداً لا يقل عن تفشي الفساد والمحسوبية. في المقابل يرى آخرون، أن المعارضة ظلت طوال عهد الإنقاذ عبارة عن ظاهرة صوتية فقط، ولم تستطع إنتاج فعل معارض بناء فاستطال عمر الإنقاذ لضعفها وليس بسبب قوة الإنقاذ التي إستطاعت إضعاف المعارضة بأساليب مختلفة حتى أصبحت تعاني حالة شبيهة بالضياع، كتلك التي تعانيها الحكومة، والبلاد بأثرها على ذمة د. قطبي الذي قال في تصريحات صحفية مقتضبة بمقر حزب المؤتمر الوطني أمس الأول:: (المعارضة ودت البلد في ستين داهية).