يتهافت عدد كبير من المواطنين على ما يسمى بالطب البديل أو الطب البلدي طلبا في الشفاء من الأمراض المزمنة والمستعصية كالسكري والسرطان والقصور الكلوي ومشاكل الإنجاب والعقم فيقصدون محلات تجارية تختص في بيع آلاف الأنواع من الأدوية الشعبية وهي عبارة عن أعشاب وزيوت وخلطات تفوح منها رائحة القطران والحلبة والقرنفل وغيرها من النكهات. ومؤخرا تم فتح عدد من ( مراكز الاعشاب ) لاستقبال المرضى في عيادات تشبه العيادات الطبية، لكن أصحابها ليسوا أطباء، بل تجار يقدمون وصفات بالأعشاب يقولون إنها تشفي من أخطر الأمراض، وهناك من جرب العلاج ويقول إنه تماثل للشفاء كرجل مصاب بمرض السكري منذ أكثر من عشر سنوات، وصف له طبيب أعشاب منقوع أوراق شجرة الخوخ ثلاث مرات في اليوم لحرق الكميات الزائدة من الجلوكوز في الدم، ويساعد الكبد على تخزين كميات كبيرة من السكر، بدل أن تتيبس في الشرايين كالزجاج وتمزقها من الداخل فيحدث ما يسمى بالعفن أو الأنتان على مستوى الأقدام. وما يعيب على مهنة التداوي بالأعشاب هي عدم التقنين والفوضى، ومزاولة هذه المهنة من طرف الرقاة وأشخاص ربحوا من ورائها ويتاجرون بمشاعر المواطنين الذين يبحثون عن الصحة والعافية بأي ثمن ، فلا ندري إن كانت الأعشاب التي يقتنيها المرضى علاجا حقيقيا أم سموما قد تضر بصحتهم؟ فهناك من يمارس المهنة عن علم أو دراسة، وهناك من يمارس النشاط من جانب الشعوذة والرقية وغيرها من الأعمال، فنجد محلات التداوي بالأعشاب تتعامل مباشرة مع الرقاة، يقومون بوصف العشرات من الأعشاب الباهظة ، ويرسلونهم إلى محلات الأعشاب التي يتعاملون معها، وعادة تكون قريبة من محل الرقية أو في نفس العمارة، وهنا يبتز الراقي المرضى بسلسلة الوصفات ، وقد يقدم وصفات تقهر صحة المرضى عكس ما يروج، فنجد علبا تحتوي على أعشاب تحمل صورا مختلفة بغرض الترويج ، وعلبا أخرى تحمل صورة امرأة جميلة ورشيقة بها أعشاب للتنحيف وغيرها من المنتجات غير معلومة المصدر، وبعض العشابين يمارسون المهنة في الشارع العام ، والذي يحير انهم يحملون تصاديق لبيع الادوية التي يتاجرون فيها من باب (الخبرة ) ، هذا الامر المسكوت عنه تتفاقم اضراره في شهر رمضان اذ ان عددا مقدرا من المواطنين يقصدون العشابين الذين يمارسون البيع عبر عربات متجولة بالقرب من الاسواق ومواقف المواصلات بولاية الخرطوم ويعرضون حالاتهم المرضية لشخص لا علاقة له بالطب وانما هو تاجر فقط فيمنحه دواء عشبيا كذا او كذا ، على ان يتناوله بعد الافطار مما يدخلهم في أزمات مرضية لا حدود لها وهذا ما حدث مع السيدة ( فاطمة ) خمسين عاما انتابتها التي آلام حادة في الجهة اليمنى من البطن بعد الافطار دون تردد قصدت احد العشابين بالسوق العربي وعرضت عليه حالتها وقبل ان تكمل بادرها العشاب بانها حالة حصوة واعطاها مسحوقا ابيض اللون وطلب منها غليه وتناوله بعد الافطار ، وما ان تناولت المشروب اشتد عليها الألم فتوجهت بها الاسرة الى طبيب مختص ليكتشف انها تعاني من التهابات الافراط في شرب الماء. اذن ممارسة مهنة التداوي بالاعشاب ما زالت تتم بصورة عشوائية وان ذلك يحدث على مسمع ومراى الجهات الصحية المختصة ، ويبقى السؤال : هل صحة الناس اصبحت حقلاً للتجارب والكسب الحرام ؟