الجهاز الهضمى للخرطوم فاقت سعته حد المرونة، فنسبة المُستثمرين فى الجهاز الهضمى يزداد كل يوم... واقع الحال فى خرطوم اليوم أنّه بين كل مطعم ومطعم مقصف، وبين كل مقصفٍ ومقصف مطعم... وسط الخرطوم تتبوأ فيه المطاعم ذات الموقع الذى تحتله المَعدة فى التجويف البطنى، لذلك يستحق وسط الخرطوم لقب مَعِدة الخرطوم! مثلثٌ بالخرطوم أضلاعه شارع افريقيا وشارع المشتل بالرياض وشارع (15) بالعمارات تنشط فيه حركة الجهاز الهضمى، فعلى مدار تلك الأضلاع الثلاثة وما بينها تنتشر خريطة المطاعم التى تًقدّم أطباقاً تحمل الجنسيّة التركية والمصرية والسورية واللبنانيّة والاثيوبيّة والآسيويّة والسودانيّة... ومحتوى هذه الاطباق هو كل ما توصّلتْ إليه تكنولوجيا (كلوا واشربوا)! حين أرى (الأطباق) تتحرّك فى تلك المطاعم لا أتذكّر غير الصراع (الطبقى)، فالقادرون عليها يجلسون بداخلها وغير القادرين عليها يجلسون فى خارجها وبين هؤلاء وأولئك فاصل زُجاجى شفّاف... مرتادو تلك المطاعم يحملون شهادات القُدرة الماليّة من المصارف، والواقفون بخارجها يحملون شهادة سَكن المصارف الصحيّة! الطعام الجارى فى تلك المطاعم بالحساب الكمّى وبالحساب الكيفى أكبر من السعة الكليّة للجهاز الهضمى، ولذلك يبقى على أغلب الموائد فائض من الأطعمة لم تمسسه يد انس ولا جان، صالح للتداول والإنتقال إلى خريطة الحِرمان فى الخرطوم حيث تقطن كُتل هائلة صامتة وغير صامتة تحت خط الجوع! سهل جدّاً تأسيس مشروع خيرى صغير لتحويل فائض تلك الأطعمة إلى فائض قيمة، تتبنّى واحدة من الجمعيات أو المنظمات إعادة تعبئة وتغليف هذه المأكولات التى لم تمسسها يد لتوزيعها بشكل (منهجى) على السائلين والمحرومين والمتعفّفين و(الموظفين)، هذه الشرائح لا تسكن معسكرات النازحين وتجمّعات المُهمّشين أو أطراف المُدن فقط، فبعضها يعيش فى قلب الخرطوم وبين رئتيها! هذا العمل الإحسانى لا ينتظر ورشة عمل تنعقد تحت شعار (واطعموا البائس الفقير)، فهو عمل بمقدور جمعيّة أهليّة صغيرة، لكنّه فى النهاية (آليّة) من آليّات امتصاص التوتّر الاجتماعى، مشروع لاستبدال فضلات الطعام إلى فضيلة، فبدلاً عن رميها فى صندوق النفايات، تتحوّل إلى ودائع فى بنك الطعام!!