على الرغم من وصف أحزاب قوى الإجماع الوطني المعارضة لمفاوضات أديس أبابا بالعمل الثنائي الذي يُعقد القضايا ، بالتالي تحظى بالرفض وعدم القبول من كافة القطاعات أثناء التفاوض؛ إلا أنها عادت بعد التوقيع وتراجعت عن موقفها لترحب بالاتفاق.. تحول موقف قوى الإجماع الوطني من الرفض إلى الترحيب بالاتفاق، اثار العديد من التساؤلات، حول طبيعة العلاقة بين الحكومة والمعارضة لتفسير سر التراجع المفاجئ .. التحليلات دارت في مجملها بين رؤى تنطلق من أن الترحيب الشعبي بالاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بعد مباحثات ماراثونية، هو ما جعل المعارضة تتراجع عن موقفها الرافض، كي لا تحرج نفسها أمام الشعب، فيما يرى آخرون أن العجز الذي تعاني منه المعارضة في التأثير على الأحداث، هو السبب وراء تأييدها لاتفاق أديس أبابا، الأمر الذي جعل المؤتمر الوطني يسيطر على مجريات الأحداث منفرداً ، وبين هذا وذاك تباينت الأسباب التي أدت لتأرجح المواقف. مراقبون يدللون على تأرجح مواقف المعارضة ورئيسها، بمقارنة تصريحاتها الاخيرة مع تصريحاته الأسبوع الماضي، حيث كان فاروق أبوعيسى رئيس قوى الإجماع الوطني، أول الرافضين لمفاوضات أديس أبابا قبل التوقيع، لكنه عاد ورحب باتفاق الرئيسين (البشير، سلفاكير)، مؤكدا أن أي اتفاق ولو كان جزئياً مرحب به ، لأنه الطريق الذي يباعد بين الدولتين الشقيقتين والحرب.. التأرجح على مستوى المواقف لم يكن حكراً على أبو عيسى وحده ، وإنما شمل كافة أحزاب قوى الاجماع الوطني، التي تبدو وكأنها اتفقت على الترحيب باتفاق الرئيسين (البشير، سلفاكير)، فأكد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صالح محمود، أن الاتفاق يمثل خطوة إيجابية في إطار القرار الأممي 2046.. كما أوضح القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر أن الاتفاق الأخير يعيد لحمة العلاقة الأزلية مع الجنوب، ونحن معه.. ايجابية عبارات المعارضة أرجعها الكثيرون لصيغة الاتفاق بين دولتي السودان، واعتبروها السبب وراء ترحيب القوى السياسية بالاتفاق الذي وصفه المتابعون بالنموذج القابل للتكرار في دارفور وفي المفاوضات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال الأمر الذي جعلهم يطالبون المجتمع الدولي بألا يفقد حماسه وأن يواصل الدفع باتجاه حلحلة الأزمات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والشرق. بيد أن الظنون ظلت تساور البعض حول مصداقية المعارضة في الترحيب بالاتفاق، بسبب مواقفها السابقة من الاتفاقيات التي وقعها المؤتمر الوطني، وبرغم اعتراضها الدائم على تفاوض الوطني بمعزل عن القوى السياسية، ومطالباتها لأكثر من مرة بالاشتراك في التفاوض، لكن دائماً يسقط اسمها من رقاع دعوات في المناسبات التفاوضية، مثل أبوجا، و سلام الشرق، والدوحة كذلك في المناسبة التفاوضية الأهم اتفاقية السلام الشامل، ما جعلها لا تدخر وسعاً فى انتقاد تلك الاتفاقيات بصورة مباشرة، بخلاف ما يحدث الآن من ترحيب .. مصادر ل(الرأي العام) رجحت بأن يكون الترحيب هو الموقف الحقيقي لقوى الاجماع الوطني من اتفاق أديس أبابا، وعبرت عنه حركة القوى الديمقراطية الجديدة المعروفة اختصاراً ب(حق)، وأن الاختلاف في المواقف كان تكتيكياً بهدف ترجيحاتها لفشل جولة التفاوض على أن تعود للترحيب حال خاب فألها، لذا كانت صيغة الترحيب اختزالية وحملتها تصريحات هالة عبد الحليم بقولها (الاتفاق لم يحمل بداخله أية قيمة باستثناء تحديد المناطق الحدودية منزوعة السلاح، أما الخلافات الجوهرية فإنها لم تحسم بعد، كما انه لم يحسم الملف الأمني والحريات الأربع، والاتفاق الإطاري حمل أمنيات وحتى لو حمل الاتفاق حلولاً لكل المشاكل فإنه سيصطدم بعقبة التنفيذ).. لكن هناك تحليلات تذهب الى أن الرفض هو الموقف الاساسي للمعارضة ، ومراهنتها بنسبة كبيرة على فشل جولة التفاوض الرئاسية، بالاستناد الى نفوذ تيارات داخل الحركة وحول الرئيس سلفاكير، ويعتقدون ان المفاجأة كانت في تقليل نفوذ باقان أموم ما قلل من احتمالات الفشل وزاد من نسبة النجاح التي توجت بالتوقيع، لتجد المعارضة الرافضة للمفاوضات الثنائية كما وصفتها في حرج أمام الجماهير التي خرجت لاستقبال البشير، والا عرضت نفسها لخطأ تاريخي لن تغفله عين الوطني المترصدة، ليكون التكتيك هو الاساس في موقف المعارضة، وأن اتفاق الواقع هو ما يمحو ما عداه..