( درج السفاسف ) هو اشهر درج في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، وصاحب الدرج هو الاديب المرحوم حسن بدري كاشف ومقره مكتبته الشهيرة في زاوية المحطة الوسطى بام درمان ، وكان الدرج يحتوي على قصاصات من طرائف ما ينشر في الصحف وشعر المداعبات الفكاهية بين شعراء ( الكتيبة ) وكان رواد المكتبة يتحلقون حول استاذنا حسن بدري في الامسيات للاستمتاع بما حوى درج السفاسف . وفي عالم الادب والصحافة والفن كانت وما زالت هناك العديد من الحكايات التي كان يمكن للعم حسن بدري ان يضعها في درجه .. وقد كنت طرفا في بعضها فبعد ثورة اكتوبر 1964 تركت جريدة ( الناس ) لفترة قصيرة لاقوم بتحرير صفحة ( اضواء الفن ) في جريدة ( الاضواء ) التي اصدرها الصحفي القدير المرحوم محمد الحسن احمد ، وكان استاذنا محمد الخليفة طه الريفي يتولى تحرير الصفحة الاخيرة في الجريدة وهي صفحة تعنى بالشئون الاجتماعية والإنسانية وحقق بها الاستاذ الريفي نجاحا كبيرا ، ومن اهم اعمدة الصفحة عمود بعنوان ( وانا ماشي ) وفي هذا العمود يكتب الاستاذ الريفي مجموعة من اخبار الولائم والعزومات مثل الوزير السابق مأمون بحيري اقام حفل عشاء لعدد من الاصدقاء ... او احتفل سعد ابو العلا بمجموعة من الاصدقاء ... او شهدت دار القطب الاتحادي ابراهيم جبريل احتفالا كبيرا ، وهكذا معظم او كل محتويات العمود ، وفي احدى الليالي كنت محرر السهرة المسئول عن مراجعة الصحيفة وتسليمها للمطبعة وبينما كنت في المرحلة الاخيرة اتصل بي تلفونيا رئيس التحرير وطلب مني وضع احد الاعلانات وكان قد سبق نشره قبل ذلك واشار علىّ ان اضعه في الصفحة الاخيرة فاحضرت الاعلان واجريت تعديلات الصفحة الاخيرة وحذفت بعض المواد التي من بينها عمود ( وانا ماشي ) وفي اليوم التالي جاء الى مقر الجريدة استاذنا الريفي وقال لي في لهجة غاضبة : انت يا ولد يا خبيث ما لقيت حاجة تحذفها غير ( عمود الاكل ) وكانت التورية واضحة وضحكنا لها جميعا خاصة وانها تزامنت مع دخول السائق وهو يحمل ( عمود الاكل ) الذي به طعام الغداء والذي يتم ارساله كل يوم من منزل رئيس التحرير . وسرعان ما انتشرت عبارة ( عمود الاكل ) في الوسط الصحفي وكان اكثر المتندرين بها المرحوم صالح عرابي صاحب ( التلغراف ) الذي وصف احدى الصحف بأنها ( ذات العماد ) .. اما المرحوم محمد مكي محمد صاحب ( الناس ) فقد وجد ضالته المنشودة في هذا التعبير .. ففي احد الاجتماعات للمحررين قال ان الصحيفة تفوح منها رائحة الطبيخ .. وخصني انا شخصيا بهجوم عنيف وقال انني ابيع صفحة الفن سطرا سطرا واتلقى يوميا هدايا الفنانين الغالية والثمينة واخذت بدلة من سيد خليفة وساعة من التاج مصطفى واسهر كل يوم مع الكاشف وامدح اصدقائي في الاذاعة وختم الهجوم بأنه من العدل ان ادفع للجريدة مرتبا شهريا ولا اطالب بزيادة المرتب .. وكان هذا الهجوم في حضور المحررين على طريقة ( اياك أعني واسمعي يا جارة ) .. واذا كانت بداية الحديث عن درج السفاسف الخاص بالمرحوم حسن بدري فإن درج الذكريات يحوي الكثير من مثل هذه والمؤكد ان العودة لها الآن لا صلة لها مطلقا بما يدور حول التحرير الصحفي والاعمدة المنحازة او المتحيزة .. انها مجرد خواطر للتسلية .. ( وحك الرأس ) بحكايات هزلها اكثر من جدها كانت ولا تزال تثير روح الدعابة والمرح في اوساط مهنة المتاعب .