في يومٍ من أيّام الأشهر الحُرم الأربعة وقعَ عدوانٌ على السودان... العدوان لا يأتي تعبيراً عن اختلال في ميزان القوّة، لكنّه تعبير لا تعبيرَ بعده عن اختلال في ميزان الأخلاق! صَدَقتْ إفادة وكالة الأنباء الشعبيّة (شونا) وتراجعت إفادة وكالة الأنباء الرسميّة (سونا)... قالت (شونا) إنّ السودان أُخِذَ بعدوانٍ من الخارج بذات تكنيك مصنع الشفاء مع مراعاة فارق التوقيت... لكنّ (سونا) رَدّدت بأنّها انفجارات لكنّها ليست عدواناً، فقضى السودانيّون ليلتهم بعينٍ أولى هادئة وعين ثانية متوتّرة، فمهما كان، الإنفجارات أقل هولاً من العدوان! وبعد أن قَطَعتْ ساعات نهار أمس مشوارها المكتوب عليها، اجتمع وزير الإعلام في مؤتمر صحفي مع كل الصحف والوكالات بما فيها (سونا) ليؤكد ما تناقلته وكالة (شونا) ويتراجع عمّا نقلته (سونا)... إذنْ ما حدثَ ليس تماساً ذخائريّاً، بل هو تماسٌ إسرائيلي! ما زلت واقعاً تحت مطرقة الدهشة كلّما أسمع من بعض شُركائي في المواطنة الذين يرون أنّ حل مشكلات السودان هو في تطبيع علاقاته بإسرائيل، فالسودان ليس دولة مواجهة فلماذا يبدو في المشهد الإقليمي وكأنّه من دول الطوق... لكنّي أقف مع كتلة هائلة من السودانيين الذين يرون أنّه إذا بَادَرَ وزير خارجيّه السودان الحالي أو السابق أو الأسبق بزيارة سريّة أو علنيّة إلى اسرائيل التي نعرفها فإنّ مشكلات السودان لن تنتهي، بل ستبدأ! نَعَمْ، السودان ليس من دول الطوق لإسرائيل وليست له علاقة صداقة أو عداء أو (عداقة) مع إسرائيل، لكنّ السودان بالجِوَار والنهر والبحر والرمل والطين أحد أهداف اسرائيل، وبعبقريّة مكانه يقع في المجال الحيوي لها! كُتِبَ على السودانيّين هذا العام الحُزن في أيّام عيدهم، ففي عيد الفطر سقطت طائرة بمدنيين وعسكريين على جبال تلودي... وفي عيد الأضحى زارتْ الخرطوم في جُنْحِ الدُجَى طائرات إسرائيليّة زيارة خاصة غير مرغوب فيها، متزامنات مع قصف مدفعي ذاقته المدينة العزيزة علينا كادوقلى، فكِدنا نَغْلِي... ومع ذلك فقد نلنا بهذا العُدوان بطاقة مُعَايدة مُسْتَظَرَفة، المُعَايدة هي أنّ (شونا) أحياناً أصدق أنباءً من (سونا)!!