بين تفاؤل حذر وتشاؤم مخنوق، اتجهت أنظار الخرطوموجوبا أمس إلى أديس أبابا بحثاً عن سلام مُحاط بالثقة وتمنيات بغدٍ أفضل ل (جيرة) ربما تطول طالما بقيت العاصمتان. الاهتمام الدولي والإقليمي الكثيف برز في مباركات أمريكا وبريطانيا والنرويج بالإضافة للإتحاد الأفريقى، وعبرت عنه وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون والنرويجي اسبن بارث ايدي والبريطاني يليام هيج وبيان مفوضية الإتحاد الأفريقي، كشف إلى أي مدى يستعر القلق حيال ملف علاقة الدولتين، وأوضح عن حجم المراهنة على حصيلة المفاوضات الحالية. المجتمع الدولي والإقليمي سعي لتأكيد دعمه للقاء ببث الثقة في نفوس قيادات الدولتين، فأكد وزراء خارجية الدول الثلاث التزام المجتمع الدولي التزاماً كاملاً برؤيه الدولتين القابلتين للحياة اللتين تعيشان في سلام مع بعضها البعض. الخرطوموجوبا، استمدت لحظات الدفء من حلمهما بتكرار تجربة الرئيسين البشير وسلفا كير في سبتمبر من العام الماضي إبان توقيع اتفاقيات التعاون المشترك، بأن يحمل اللقاء الحالي وصفات ناجعة لتطبيق نهائي ومُلزم في ملف الترتيبات الأمنية والحدود باعتبارهما حجر عثرة التنفيذ في شكله الكامل، وأثرهما السلبي على تدفق النفط الجنوبي عبر الأراضي السودانية. وطبقاً لتقارير إعلامية من أديس أبابا، فإن لقاء الفرصة الأخيرة بين العاصمتين تأجّل أمس الأول لأسباب قيل لارتباطها بالأجندة وترتيباتها، عقب لقاءات ثنائية ماكوكية بين رئيس الوزراء الأثيوبي والرئيسين البشير وسلفا كير - كلاً على حدة -، لتتبدد سحابة الصيف بدخول الرئيسين الى غرفة اجتماعهما أمس السبت بالقصر الرئاسي بالعاصمة الأثيوبية. شبح أو ربما تمنيات بالانهيار واستعجال للنتائج هو ما سرب فشل لقاء الرئيسين بانتهاء جلسة المباحثات الأولى بحضور الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى ورئيس الوزراء الاثيوبي هايلي ماريام، ليتزايد بأخبار مجهولة المصدر حملت محاولة إعادة الرئيس البشير من المطار، قبل أن يبدأ الضباب في الانقشاع ببيان يلخص المَشهد وممهور باسم الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وربما يحمل خارطة طريق للجلسة الختامية. مصادر قريبة من كواليس التفاوض بأديس أبابا توقّعت بحسب تقارير إعلامية، بأن تتواصل المباحثات وتستمر المشاورات بين الطرفين في حال عدم التوصل لاتفاق بشأن النقاط الخلافية التي لم تُحرِّكها اتفاقيات سبتمبر الرئاسية. الشارع العام في الخرطوم ينظر ببرود للجولة، ويعتبرها ضمن سيناريوهات (الاستنزاف العصبي) المتواصلة، ولا تبدو ملامح المراهنة عليها كبيرة في الخروج بنتائج تهز عرش الدولار وتعيده لنطاق الاحتمال، من خلال النص على تطبيق عملي وفوري لضخ النفط بحسم الملف الأمني الذي يقلق الخرطوم، ومن ثَمّ إقامة منطقة منزوعة السلاح في الحدود. مراقبون يذهبون الى أن الجولة الحالية فرصة لا تُعوّض للعاصمتين ويجب استغلالها للخروج بنتائج إيجابية قبل أن يقول المجتمع الدولي كلمته قسراً تتظلم منه إحدى العاصمتين، ويرون أن الخرطوم تلعب على وتر الضيق الجنوبي اقتصادياً واجتماعياً وتزايد الأسعار الجنوني، لذا لن تسمح بمرور النفط دون استخراج شهادة إبراء ذمة من جوبا بفك الارتباط بقطاع الشمال، وهو ما وصفه سلفا كير في وقت سابق بالمستحيل. فيما تلعب جوبا على إمكانية أن تنجح الحركات المسلحة في حشد القوى السياسية خلفها بإضافة دعم دولي وضوء أخضر أمريكي لتغيير نظام الخرطوم دون تقديم التنازلات المطلوبة. عمليات الشد والجذب بين العاصمتين بالنسبة للكثيرين، يمكنها أن تؤدي إلى خسائر أكبر، باعتبار أن انتظار حلول مستوردة يعد مغامرة غير مأمونة العواقب. محللون مقربون من قطاع الشمال ومتواجدون بالعاصمة البريطانية، كشفوا ل (الرأي العام) أن لقاء الرئيسين لا معنى له سوى التوقيع على ما تمت صياغته خارجياً، ويذهبون في حديثهم الى أن الخرطوم ترفض التفاوض وتراوغ لصالح ضمانات اختناق القطاع، وهو ما ترفضه جوبا خوفاً من تحول بنادق القطاع لصدر الجنوب، وأضافوا (قطاع الشمال، ليس معنى بما يتم بين الخرطوموجوبا، خصوصاً وانّ ما تتحدث عنه الخرطوم سواء الفرقة التاسعة أو العاشرة، متواجدة في الشمال وليس الجنوب، كما أن زيارة موسيفيني أوضحت أن القطاع يتمتع بقبول دولي لقضيته، لذا فإن من ضمن المطالب التي حملها مسؤول ملف الإرهاب في افريقيا هو توجيه ضمانات كافية للقطاع إزاء التزام جوبا بعدم الدعم، وهو ما يعد اعترافاً ضمنياً، وهذا يكفي). الخرطوم سعت لمفاجأة الجميع بسحب الأضواء عبر تقديم حُسن النية، فأعلن د. الجاز وزير النفط في ذات توقيت التفاوض، اكتمال الترتيبات كافة لاستئناف تصدير نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية حال اتفاق الدولتين على ذلك، متوقعاً في برنامج مؤتمر إذاعي حدوث تقدم في قمة أديس أبابا بين الرئيس عمر البشير ونظيره الجنوبي سلفا كير. وبعيداً عن استنتاج ما ستحمله الجولة الثانية للمفاوضات أو ما سيشمله بيان الوساطة، إلا أن المسلم به أن لقاء الرجلين يرافقه دخانٌ كثيفٌ يكشف الى اي مدى تحترق أعصاب مواطنيهم.. فهل يعبران بالبلدين إلى بر الأمان؟!.