قبل فترة من الزمان، ابتلى الله سكان حي من الاحياء بما جعلهم يصبرون صبرا نبيلا ،ولكن صبرهم قد نفد. فقد دخل عليهم امام جديد لمسجد الحي، يستخدم مكبر الصوت،بغلو، لتنبيه الناس لصلاة الصبح. يبدأ هذا الرجل عمله هذا في الثانية صباحا يردد بأعلي درجات صوت المكبر:" قوم يا مدمدم بكرة تندم"، و" قوم صلي يا مدمدم بكرة تندم"، ويستمر على هذا النهج الترهيبي لساعات. في البدء ظن الناس ان ما يقوم به هذا الامام شيئاً عابراً، قد يستغرق أياماً، فقط، قبل ان تعود الامور الى طبيعتها، ولكنه استمر لاسابيع واشهر، وباساليب مختلفة ترفع من وتيرة الصوت العالي ، فتضجر الناس منه وتحدثوا معه بأن عمله هذا خطأ، ولكنه زجر الناس ووصمهم بالجهل وعدم التمسك بدينهم والتفريط في اداء الفرائض، وفي يوم ما اكتشفوا ان الرجل لم يقم بعمله هذا وهو داخل المسجد، وانما من على سريره داخل منزله المجاور، عبر توصيلات من المنزل الى مايكرفون في المسجد، اي انه يقوم بهذا العمل «الجليل»، كما يصور له تطرفه، وهو" مدمدم"، فقدموا شكوى ضده انتهت بابعاده عن المسجد وتحذيره من القيام بمثل هذا العمل" المضر" . عاد الامام" المدمدم" اعلاه الى مساجد العاصمة هذا الايام، ولكن في صورة " آخرين"، ربما ائمة، او واعظين، او مؤذنين، حولوا نهارات وليالي الخرطوم الى مكبرات صوت. يفرضون على الناس الاستماع لوعظهم في كل الاوقات. جبرية. يبدأ هؤلاء التنبيه بالمكبرات عالية الصوت منذ الساعات الاولى للصباح، ويستمر، بحماس منقطع النظير، بروايات مختلفة، حتى صلاة الصبح، ثم ينتقل المكبر الى الوعظ على نهج يقرأ النصف الترهيبي من الآية، ويستمر الوعظ الى ما بعد ذهاب التلاميذ الى المدارس، ثم يستأنف الوعظ والترهيب قبل صلاة الظهر، ويستمر الى ما بعد العصر. في الجمعة الاخيرة احدهم استمر يوعظ الناس بمكبر المسجد، من الثانية صباحاً، حتى الثامنة والنصف صباحا، ولم يكسب من كل ذلك سوى ضجر الناس وتذمرهم منه، بل لعناتهم. قال لي صديق ان والدته تعاني من ضيق في الشرايين تتناول في الليل حبة تهدئ لها ألمها لتنام في نهاية الليل وأول الصباح. بسبب الوعظ الترهيبي بمكبر الصوت في حيهم، هذه الام، فقدت نعمة النوم، وعلى الاثر، تردت صحتها لدرجة انها نقلت الى المستشفى ثلاث مرات في اقل من اسبوع. وهناك مريض اوصاه طبيبه بالراحة لساعات طويلة، وهناك من يبدأ ساعات نومه في آخر الليل أو أول الصباح لانه يظل يكسب رزقه في باقي ساعات اليوم، هناك من لا يرغب، اصلاً، في تلقي الموعظات لساعات طويلة، كل هؤلاء يعصف بهم الرجل" المدمدم" بنهجه الترهيبي، الذي يصيب الانفس بالكلل والملل، بل بالضجر. كان الرسول صلى الله عليه وسلم وعظه قليل وكلماته معدودة خشية الملل، والدين يقول بان الصلاة " مناجاة "، كما هي مسؤولية فردية وليست جماعية، باي حال من الاحوال. سأل الصحابة سيد المرسلين: هل الله قريب فنناجيه ام بعيد فنناديه؟ فنزلت الآية الكريمة "...ولاتجهر بصلاتك ولاتخافت بها وابتغي بين ذلك سبيلا"، ولكن اهل" المدمدم" لديهم" فهم"مختلف، يعتقدون بملاحقة الناس بالوعظ والتنبيه في اي زمان وفي كل مكان، وتحت كل الظروف، وعلى الناس ان يتركوا كل شئ ويجلسون القرفصاء ليستمعوا الى كلامهم، حتى ولو كان كلام البعض منهم مجرد ترديد لأقوال تجاوزها العصر، تفتقد للتجديد والمواكبة، وليس لدي ادنى شك في ان هؤلاء على يقين بأن من يخالف نهجهم " المدمدم والترهيبي"هذا فهو" زنديق"، والكلمة الاخيرة على طرف ألسنتهم، تصلح لكل من يخالفهم الرأي.على مجلس الدعوة بولاية الخرطوم ان يفعّل القانون،وينفض الغبار عن لوائحه، التي تعنى بادارة وتسيير المساجد، لترشيد أفعال أهل" الدمدمة"،وكبح جماحهم.