كانت ليلة من ذات الليالي.. ليالي الزمن الجميل والطرب الأصيل. صعدت الى المسرح بقوامها الممشوق وجسمها النحيل.. وبخطوات واثقة.. جلست والإبداع يشع من عينيها أمام الرائع د. محمد عبدالله الريح يسأل أسئلة صعبة.. وتجيب بسهولة ويسر وبفهم عميق ومتطور.. وكان الطلب الذكي.. الذي لم يكتشف كثيرون سره هو الذي طلبته المبدعة والمستنيرة الفنانة آمال النور حيث طلبت منها أن تغني أغنية بالأورغن دون مشاركة الفرقة الموسيقية.. وعلى الفور عرفنا الهدف من السؤال.. أنها تريد أن تسمع صوتها الحقيقي.. بلا موسيقى.. وكان نتيجة امتحان آمال النور نجاحاً بدرجة ممتاز، وقفت على المسرح بشموخ وثقة.. وبدأت تغني.. سحرت الحضور بإمكاناتها الصوتية الكبيرة وبأدائها المتميز.. وبحضورها الرائع واللافت. تغني نهى عجاج.. بإحساس عميق.. وبفهم أكثر عمقاً للنص الذي تغنيه.. وتنفعل معه انفعالاً حقيقياً.. وغير مصطنع.. غنت أربع غنيات في البداية.. ثلاث منها من تلحين والدها الموسيقار الراحل بدرالدين عجاج وآخرى من تلحين صلاح إدريس.. وكلمات الحلنقي.. وواحدة من كلمات المبدع الرائع مدني النخلي.. وهو شاعر صاحب قاموس متميز وجديد، أغنية الاورغن من كلمات علاء الدين سنهوري أدتها بإحساس عميق.. أدهش الحضور.. ذكرتني بأداء فيروز.. نعم نهى عجاج فيروز السودان القادمة من المستقبل.. نهى فنانة كبيرة في إبداعها وفي أدائها.. في أغنية سنهوري وهي آخر ألحان والدها الراحل فيها نبوءة غريبة.. غنتها بإحساس مختلف وظلت تردد مقطع يحمل تلك النبوءة: مسافر ليه وجرحك ني ما عارف الزمن غدار أدتها بطريقة أوبرالية.. وكأنها تغني في الأوبرا، نهى عجاج صاحبة تجربة فنية ناضجة، جاءت الى مجال الغناء مزودة بموهبة أصيلة واستعداد فطري أصيل.. ومستفيدة من تجربة والدها الراحل الثرة. الأمسية التي كان مسرحها منتدى راشد دياب.. كانت نقطة إنطلاقة جديدة لنهى عجاج.. صعدت بها الى أعلى.. وحلقت بالمشاهدين والمستمعين الى سماوات الإبداع الأصيل. نأمل ان تفتح استديوهات التلفزيون والإذاعة لهذه الموهبة المتميزة كل الأبواب، الجمهور الذي حضر لسماع نهى عجاج.. كان جمهوراً نوعياً.. لأن من يذهب الى ذلك المكان القصي، لابد أن يكون من أصحاب الذوق الرفيع في الاستماع. صديقي راشد دياب. كاد يفسد الأمسية بالحديث في السياسة، وزج بها في غير مكانها لأننا لم نعرف له منطلقاً فكرياً واضحاً.. وحاول ان يثبت مواقف بطولية المنتدى ليس مكانها... وهو غير مطالب بها وغير محتاج لها.. والدكتور راشد رجل فنان.. أحبه الناس لفنه.. ولا علاقة له بالسياسة.. وإذا حاول أن يحول المنبر.. الى منبر سياسي.. فليعلنها صراحة.. وحينها سيجد منافسين ومناقضين له من عشاق السياسة.. أما الذين يحضرون المنتدى.. فهم جاءوا ليسمعوا الغناء الجميل وليرتاحوا من الحديث في السياسة. ومن حقه ان يكون سياسياً ومعارضاً للنظام لكل النظام.. وليس لجزء منه، وهو الذي وجد كل الدعم من النظام، ومن حق النظام ان يدعم المبدعين في المجالات كافة. لصديقي راشد التحية الطيبة والتوفيق.