وأنا اكتب هذا المقال، استصحب معي ما سطره قلم الاخ الكريم المهندس محمد عثمان سيراب في المنبر الاقتصادي بصحيفة (الرأي العام) بتاريخ 30 أغسطس 2009م، عن المفهوم الشامل للزراعة رداً على ماكتبته في نفس العمود بتايرخ 22/6/2009م، وما قدمه من اشارات اعتقد انه قد جاء الوقت المناسب للنظر اليها بعين فاحصة، ومن ضمن هذه الاشارات: العمل على تكامل الحيوان والنبات لزيادة تنظيم المردود الاقتصادي والاجتماعي للقطاع الزراعي ينبغي ان يكون التوجه العام للدولة. في مقالي عن (تدني صادرات الثروة الحيوانية.. من المسؤول؟) ذكرت ان هناك ميزة نسبية لصادرات الثروة الحيوانية مقارنة مع صادرات الشق النباتي باعتبار ان الشق الحيواني لا يرهق ميزانية الدولة، واقول للاخ سيراب انني لم اقصد بهذه العبارة ان يتم دعم الشق الحيواني على حساب الشق النباتي أو ان يتم تقليل اعتمادات الشق النباتي وانما قصدت ان يتم دعم المنشطين معاً لكي ينهضا ويتكاملا التكامل المطلوب، واطمئن الاخ سيراب انني اتفق تماماً معه في مسألة التكامل الزراعي كما جاء في رده. واذا اراد ان يتأكد بنفسه من ذلك فليتابع معي هذا المقال: علمنا من مصادر مسؤولة ان وزارة المالية والاقتصاد الوطني تنوى إعداد ميزانية العام المالي المقبل 2010م بنظام متطور، بعيداً عن النظام التقليدي المعمول به في الاعوام السابقة تعلماً بأن النظام السابق حتى 2008م يعتمد على توزيع الموارد على المشروعات المقدمة من الوحدات الحكومية والمحصلة هي توسع في المشروعات (أفقياً) دون مردود اقتصادي ملموس.ولكن النظام الجديد المراد العمل به في الميزانية الجديدة 2010م يعتبر نظاماً مالياً متطوراً ينظر للأمور نظرة استراتيجية بحيث تكون محصلة توزيع الموارد هي وجود مشروعات قطاعية مفتاحية ذات مردود اقتصادي مقنع مع مراعاة اولويات هذه المشروعات في كل قطاع.والناظر الى ما تقدمه الوحدات الحكومية من مشروعات في اطار ميزانية التنمية يلحظ وجود مشروعات عديدة ذات اهداف متقاربة في الوحدة الواحدة وان ما يتم توزيعه من ميزانيات على هذه المشروعات لا يغطي (20%) من احتياجاتها باعتبار شح الموارد المالية وفي هذه الحالة تفشل معظم هذه المشروعات بسبب شح الميزانية المصدقة.ولكن بعد تطبيق نظام الاداء المتكامل (النظام الجديد) سوف تتغير خارطة المشروعات المقدمة للتمويل بحيث تلتزم كل وحدة بتجميع المشروعات ذات الاهداف المتقاربة في مشروع واحد يسهل تمويله لكي يسهم في اقتصاديات البلاد او تطوير الخدمات.ان القطاع الزراعي يحتاج في ظل هذا النظام الى مشروعات لانتاج وتصدير السلع الزراعية ذات العائد الاقتصادي المجزي وفي اطار هذا التكامل يمكن ادخال نظام المزارع الرعوية المتكاملة لانتاج وتصدير الماشية واللحوم والاعلاف لزيادة عائدات البلاد من السلع الزراعية بشقيها، وادخال نظام الدورات العلفية في المشاريع المروية توطئة لادخال الحيوان في تلك المشاريع (الجزيرة والرهد وحلفا الجديدة)، وتكامل الحيوان والنبات في المشاريع الزراعية المطرية خاصة مشاريع الزراعة الآلية في القضارف وجنوب النيل الابيض والازرق وجنوب كردفان وغيرها مع توفير الخدمات الزراعية المتكاملة للسيطرة على الامراض والآفات، الى جانب قيام مشروعات احلال الواردات الزراعية. اعتقد ان مثل هذه المشروعات تحقق التكامل الزراعي وتوفر المخزون الاستراتيجي المعقول وتتيح الفايض للصادر وبذلك تسهم في عائدات البلاد من العملة الحرة وبذلك نكون قد اعطينا دفعة قوية للصادرات غير البترولية واهمها صادرات القطاع الزراعي لكي تستعيد سيرتها الأولى.ان التصنيع الزراعي يكتسب اهمية خاصة في اطار التكامل الزراعي المنشود فادخال مشاريع جديدة لسلع مثل الحبوب الزيتية وقصب السكر سيفيد القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني فتسهم هذه المشروعات في توفير السكر والزيوت كما تسهم المخلفات في توفير الأعلاف للحيوان وللتصدير، أمامنا تجربة كنانة وما تنتجه من سكر واعلاف وغاز الايثانول ومنتجات حيوانية عديدة، وهنالك مشروعات المسالخ الحديثة التي تنتج اللحوم وتعمل على تصنيع المنتجات والمخلفات الحيوانية والاعلاف ومثل هذه المشروعات هي المشروعات الناجحة التي يجب توجه الميزانية الجديدة إليها. ومن المؤكد فان مساهمة القطاع الخاص في تقديم مشروعات لعدم نظام الاداء المتكامل يعتبر عاملاً مهماً لانجاح مشروع الميزانية وهذا هو التوجه السليم الذي نادت به النهضة الزراعية ونأمل ان يجد تنفيذ التوجه الجديد للميزانية التوفيق والنجاح. والله الموفق..