في الريف، عندما يبدأ الخريف بفتور، ويكون الهطول اما في حالة تذبذب او انه منعدم لاسابيع ربما لشهر، ينتاب معشر الناس القلق الشديد، وقد يرتقي القلق الى خوف والى هلع، ويتولد هذا الشعور طبيعياً. فالحياة عندهم تبدأ بالامطار وتنتهي بها، بل لا حياة لهم بدون امطار، حياة المزارع امطار ، وحياة الراعي امطار وكل المهن الاخرى ترتبط مباشرة بالامطار تنمو الحياة بنمو الامطار، وتتراجع وتنهار ، وتتحول الى جحيم عندما تقل الامطار عن المعدل الادنى المطلوب ان تنعدم في خضم الخريف الفاتر هناك، في دارفور، من يستدعى التجربة في التعامل مع مثل هذه الظروف الحرجة ، هناك من ينصح بالهجرة المبكرة عن الديار الى البحر او الى النهر، وهناك من يرشد الناس الى البدائل مثل زراعة الجنائن على حواف الاودية، وريها بمياه الآبار السطحية واحياناً الجوفية، وهناك اصحاب تجربة يستدعون المثل الشعبي القائل: «الخريف مروق ما دخول»، اي ان دخول الخريف اذا ما لازمه شح في الامطار يجب الا يكون ذلك مصدراً للقلق، لأن المحاصيل بوسعها ان تعوض ما فاتتها من ايام النمو بسبب شح الامطار مع» دخول الخريف»،وذلك في حال تحسن هطول الامطار في الاشهر الاخيرة من الخريف « المروق» بمعنى ثاني يرون ان المحاصيل تحتاج الى الامطار بغزارة افضل في النصف الثاني من اشهر الخريف، وصولا الى مرحلة « نجاض» المحاصيل. هذا العام بدأ الخريف بفتور واضح ، في اغلب أنحاء السودان، اي كان دخوله غير مبشر في كثير من انحاء البلاد. في يوليو الماضي حدث صراخ وشكوى من المواطنين في كثير من بقاع السودان تعبيراً عن مخاوفهم من قلة الامطار في بعض المواقع، ومن عدم الهطول في الاصل في مواقع اخرى،استمر الصراخ والشكاوى في المواقع الى يومنا هذا» قرب نهاية الخريف»، فيما»استعدل الهطول»في مواقع اخرى عانت من الشح في الهطول، اثناء «دخول» الخريف. ليس بين يدينا تقارير رسمية عن النتائج الاولية لخريف هذا العام، ولكن احاديث الناس القادمون من الريف حول خريف هذا العام لا يسر هناك من يقولون انهم لم يتمكنوا من الزراعة حتى الآن بسبب شح الامطار وهناك من يقول انه زرع ولكن زراعته تعرضت الى « الصبنة « فماتت، وهناك من ينتظر بقلق شديد باقي الخريف، ويقول السكان في مناطق واسعة من الدندر والقضارف وكردفان ودرافور،انهم خرجوا من هذا الخريف»مولاي كما خلقتني» وقال لي احد القيادات النافذة في الدندر ان « الكارثة» آتية لا ريب في ذلك، لان المنطقة كلها لم تزرع هذا العام. ووالي القضارف قرع جرس الإنذار المبكر بضرورة مواجهة « إنحسار المياه الواردة من الهضبة الاثيوبية»، واشار الى ان ولايته مهددة بالعطش، وما لم يقله الوالي هو ان ولايته قد تتهدد بالجوع، ايضاً، في العام المقبل، وتقول التقارير ان المياه في الشوك لا تغطي اليوم حاجة الانسان والحيوان من الشرب ناهيك عن الاستخدامات الاخرى. وانت تمر على ضفاف النيل او عبر الجسر انظر مستوى إنحسار المياه في النيلين ونهر النيل في انحسار مخيف نظراً الى توقيته. وآخر التقارير تشير إلى ارتفاع مستمر في اسعار المحاصيل الزراعية، خاضة الغذائية «الذرة والدخن». لقد حذرت»اوكسفام بريطانيا من أن (23 ) مليون شخص في شرق أفريقيا يواجهون خطر المجاعة بسبب الجفاف الشديد الناجم عن التغير المناخي ويقول بول سميث لوماس المدير الاقليمي للمنظمة في شرق أفريقيا في بيان له»هذه أسوأ كارثة إنسانية رأتها أوكسفام في شرق أفريقيا على مدار أكثر من عشر سنوات», وأضاف أن عدم سقوط الأمطار بات من الأمور العادية أكثر من أي وقت مضى عبر شرق أفريقيا مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى التأثير المتزايد للتغيرات المناخية, وتعد كينيا والصومال وأثيوبيا وأوغندا من أكثر الدول تضررا بهذه التغييرات فيما عانت أيضا جيبوتي والسودان وتنزانيا من الآثار السلبية.سننضم في مقبل الاشهر القادمة الى قائمة المجاعة هذه، وهذا ما يملي على الحكومة ان ترفع اكثر من جرس انذار وتقرعه للتنبيه بما هو آت، والعمل بنهج الطواري لدرء ما هو آت.