ها هو المخرج الأمريكي المثير للجدل مايكل مور يتقدم خطوة أخرى رازمة في الطريق الشائك و المليء بالمنعطفات الصعبة. الذي أختاره بثبات لسلسلة أفلامه الوثائقية. التي لا تتوقف أبداً عن هز جذوع «أشجار الأسئلة الكبرى».و ترك الأقواس فاغرة مفتوحة.تبحث عن إجابات صادقة و شفافة. و يأتي فيلمه الجديد ( الرأسمالية:قصة حب) كمانفستو إنساني إحتجاجي آخر. يضاف لرصيد إنشغالاته الوثائقية الجريئة الجهيرة. و التي ظل مايكل مور يصرخ و يستصرخ العالم عبرها. زاعقاً بأن الكوكب مصاب بالحمى و الهلوسة.و أن الرأسمالية قد أسفرت عن أفلاس مخجل .و أن جسد الأمبراطور عار تعلوه الندوب. و بمضامين ذات قيمة فنية و فكرية راسخة.يجوس مور بكاميرته في المألوف و الواقع الحي. يعيش طقس الناس النفسي و الوجداني. يرتاد مخاوفهم و أوجاعهم.و يحفر بإصرار فولاذي ليستخرج ما يتم دفنه في زحمة اليومي و العادي. و يناضل بعدسته لكشف ما يسوّق و يسوّّّّّّغ من كذب ضار عن مشهد سلطوي راشد .و عن رغد الحياة و أمنها و ضماناتها على تراب الفردوس الأرضي ووعده الكذوب. يخوض مور في كل تلك الأوحال اللبكة.دون أن يضحي بحساسيته الفنية التي لا تسقط في فخاخ المباشرة و التقريرية. التي تتصيد جل الأفلام الوثائقية.ليتمكن مور بإيقاعه الدرامي المتدفق.و إنتقالاته التصويرية الرشيقة.و لغته البسيطة الحافزة للوعي. من نقل الفيلم الوثائقي من هامش الى متن السينما العالمية. ليس على صعيد الفكرة و المضمون و الجماهيرية و التقانة.بل و الإيرادات المالية و الجوائز و التقدير العالمي. و كان مور قد قدم سلسلة من الأفلام الوثائقية. ذات الطبيعة التحليلية النقدية الراصدة للظواهر السياسية و الأقتصادية و الإجتماعية. لعل أشهرها فيلمي (أنا و روجر) و (الأكبر). اللذين يوثقان بصراحة حارقة و تهكم مرعب لهيمنة الشركات العملاقة على مصائر البلاد و الخلق.و فيهما يتحاور مور مع رئيسي شركة جنرال موتورز و شركة نايكي للأحذية.ليقوم مور بكشف و تعرية خسة و لا أخلاقية رأس المال.و أهتمامه الآحادى بمص الدماء و تكديس الأرباح.مهما أبهظ في الثمن الأنساني والأخلاقي و النفسي. أما ( فهرنهايت 11/9) و الذي فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان 2004,فقد كان صرخة أحتجاجية داوية في وجه سياسة جورج بوش الصماء العمياء الهاذية.بشهادات بصرية دامغة تكشف ترجح و تلجلج و أفلاس السياسة الأمريكية الخارجية.ومراوحتها اليائسة بين «الجبل و السهل» .لا تكاد تستبين العدو من الصديق.و الهادي من الهاذي.و الثمن الباهظ الذي ترتب على ختلها و حمقها في كل أصقاع الكوكب المضطرب الحائر. و أعقب مور ذلك بفيلم (سايكو) الذي أثبت بشفافية و تحليل كاشف الإختلال الفاضح في نظام خدمات الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدةالأمريكية.و سيطرة شركات التأمين الكبرى.التي لا تتوخى غير الربحية.و لا تستكنف أن تخوض يومياً في دماء و دموع البسطاء و المعدمين.دون أن ان يجف لها طرف. و الآن يعود مور ليقدم وثيقة أخرى.تدق مسماراً حاداً في نعش الرأسمالية.و تزفر بقوة لتطفئ هالتها الكاذبة.مركزاً عدسته على الأمراض الأقتصادية المستفحلة. و التواطؤات السياسية المخزية. و الأوبئة والأوصاب التي أنتجتها و أفشت عدواها الشركات و البنوك الكبرى.التي لا ترتدع عن إرتكاب العمليات المالية القذرة سيئة الرائحة.و الصفقات المريبة المشبوهة.و التحايلات الكبرى التي تعتمد المساومة و المغامرة و التمويه و تدويل الدجل الإقتصادي. و تمضي لتغطى سوءاتها التي لا يجدي معها التستر. بملاءات إعلامية داكنة.مدفوعة الثمن و بمنابر صخابة يترأسها الخراسون. تبرع في تضليل الرأي العام.و جره لأوهام الثراء و رميم العقار و الأسهم و المراهنات و المضاربات و أسواق المال. ليخلص مور من كل ذلك الى مقارنة الولاياتالمتحدة بالأمبراطورية الرومانية في لحظة إنحطاطها و إستفالها و تفككها التاريخي. و هو في ذلك يذهب قريباً جداً مما خطه الراحل عبد الوهاب المسيري عن تحول أمريكا كتشكيل حضاري سياسي إقتصادي من حالة الصلابة و التماسك و التعملق .الى التفكك و السيولة والإضمحلال. و هكذا فقد ظل نقد الرأسمالية و إستبشاع مآلاتها هو الخيط الذي علق عليه مور خرزاته الوثائقية المتنوعة. لكنه اختار أن يجهر هذه المرة بإدانة مباشرة للرأسمالية كشر أعظم.عبر فيلمه (الرأسمالية:قصة حب). المرشح لجائزة الأسد الذهبي.ضمن 24 فيلماً لمهرجان البندقية في دورته ال66.و يختتم مور فيلمه الجديد بمشهد أخير يظهر فيه و هو يلف مباني وول ستريت-بورصة نيويورك- بالشريط الذي تستخدمه الشرطة عادة لتعيين و تطويق مسرح الجريمة.و بكوميدياه السوداء ثقيلة العيار يعيد مور تعريف وولستريت بأنه «نادي قمار عالمي شديد الخطورة» - إنتهى-