فتح (حنفية) النفط من جديد، خفف قليلاً من قوة عين الدولار، بالعربي الواضح كسر عينه على ما يقول الجماعة تجار (أب صلعة) واليورو والريال..وعلى ما يقول واقع الحال..حيث انتعش الجنيه..وحدث انخفاض محدود في بعض الأسعار..مقابل ارتفاع لا محدود للآمال في تحسن الأحوال، والعودة لأيام البنزين والفول واللحم والخضار الرخيص، ووفرة الدواء، وإزدهار الكرين وسوق الزجاج المظلل..! لا يجادل عاقل في حلاوة فتح (الحنفية) مع الجميع، البشير وسلفا وما بينهما من مواطنين وجزارين ومفترشي سوقي الجمعة والاثنين، لكن فرد تلك الحلاوة التي بالكاد يتذوق طعمها الناس وتحويلها إلى بحر من العسل فيه نظر. (الحنفية) مشكلة في الحقيقة، ذلك أن النفط منذ زمن جون قرنق دخل إلى السياسة، ورفض الخروج من الباب الخلفي أو الشباك وحتى النفاج، بل يبصم بعضهم بالعشرة أن التمرد ما أشعله إلا البترول، ومع أن الحروب والصراعات السياسية تدور عادة حول الموارد، و الحركة فرزت معيشتها النفطية، إلا أن مرور (مواسيرها) في البيت الشمالي، وأحقاد زمان، وغلبة ثقافة لي الذراع في الجانبين على ثقافة أكل العيش وتهدئة اللعب، جعل من فتح (حنفية) النفط وإغلاقها أداة للفعل السياسي، بطريقة شبيهة بما أقدم عليه الراحل صدام حسين، حينما خاض معركته الأخيرة مع الأمريكان بسكب البترول في الخنادق وإضرام النيران فيه لعلها تمنع تقدم مشاة العدو وآلياته، فخسر بتروله المحروق وخسر المعركة..! من الصعوبة دعوة الجانبين لأن يأكلا إخواناً ويتقاتلا أعداء، ويمارسا العمل السياسي والعسكري بعيداً عن (حنفية) النفط الذي يشكل (نقاطة) للحكومة والمواطنين المغلوبين على أمرهم على الجانبين، وعليه فإن الدعوة العملية أكثر هي مطالبة الخرطوم وأهلها بعدم الإفراط في الاعتماد والتعويل على سيولة (الحنفية)، فهي ناهيك عن قلتها التي لا تروي ظمأ الخزينة المتعطشة ولا تعدل الميزان التجاري المائل على نحو فاضح لكفة الاستيراد، عرضة للتوقف في أية لحظة ، متى ما مدت جوبا (مواسيرها) عبر كينيا أو جيبوتي، ومتى ما تكاثف القصف الصاروخي بالقذائف على كادوقلي، أو تسارعت وتيرة الهجمات على مهاجرية وود بندة ولبدو..! (حنفيات) البلدين الأخرى كثيرة، لكن غياب الإرادة السياسية والإدارة الرشيدة والإطار القانوني الضابط أغلق (حنفيات) الزراعة التقليدية، والصناعات الخفيفة، ناهيك عما يمكن فتحه أسوة بباقي خلق الله من المحاصيل المعدلة وراثياً والصناعات الثقيلة والمتقدمة و الاقتصادين المعرفي والسياحي .. وعليه..لا يملك المرء غير الأمل في الإبقاء على (الحنفية) الواحدة المتاحة حالياً .. مفتوحة حتى يسعفنا سباك وطني خطير ب(حنفيات)أُخر..!