(تتعدد الأسماء والمبدأ واحد)، تبدو العبارة الأمثل فى توصيف ما كشفته القوات المسلحة عن اجراء قوات (درع الصحراء) المكونة من الجيش والأمن عمليات تمشيط واسعة لصحراء الولاية الشمالية حتى مدينة دنقلا، استناداً على ما يعرف بلغة العسكريين والمدنيين بمبدأ (الوقاية خير من العلاج).. خطوة القوات المسلحة برغم طابعها العسكرى والأمنى، المرتبط بسرية اجراءات أعرق مؤسسات الدولة السودانية ومعلوماتها ومبررات خطوتها، الا أن العديد من المراقبين ربطوا بينها وبين ما تشهده البلاد من اضطرابات فى شمال كردفان وجنوب كردفان فى أم روابة وأبو كرشولا على التوالى، واستدعى محللون سيناريو عملية الذراع الطويل وكيفية دخول قوات العدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم لامدرمان عبر فضاءات الشمالية، وبرروا لعملية التمشيط الأخيرة بالتحسب لكافة العمليات من الجبهة الثورية.. واعتبر الخبير الأمنى حسن بيومى، الاجراء العسكرى الأخير يرتبط بمبدأ أمنى يتم استدعاؤه وتطبيقه عندما تتوافر معلومات من مصادر عن وجود شيئاً سيحدث سواء كانت معلومة مؤكدة او غير مؤكدة، وهو مبدأ (الإفراط فى الاجراءات الوقائية دون التفريط فى الأمن)، واستدرك: (تصديق المعلومة طبقاً للمبادئ العسكرية يعتمد على مصدر المعلومة وطبيعتها)، ووصف الرجل فى حديثه ل(الرأى العام) ما تم مؤخراً دليل على توافر معلومة ذات مصداقية، ما يجعل تنفيذ عملية التمشيط عملية وقائية وسليمة(100%) وقال: (ما تم افراط فى الاجراءات حتى لا يكون هناك تفريط فى الأمن ، لأن التكاليف ستكون أعلى بالنسبة للوطن والحكومة حال تم التفريط فى الاخير، أما الاجراءات مهما تكاثفت فهى أقل كلفة بكثير). مراقبون اعتبروا ما تم فى ام روابة فيه شيء مما يشبه التفريط فى الأمن لجهة توافر معلومات متعلقة بالهجوم قبل وقوعه، وبحسب بيومى فلم يتم تطبيق مبدأ الوقاية بتأمين المنشآت والمؤسسات الحكومية والبنوك والمدن المحيطة وقال(اذا تم تطبيق المبدأ لم تكن التكاليف لتكون بهذا المستوى من الباهظية). العقيد جمال حسن القيادى بالحركة الشعبية للسلام والتنمية، اعتبر أن عمليات التمشيط التى تقوم بها القوات المسلحة، من صميم مهنية المؤسسة العسكرية الأعرق فى المنطقة، وذهب فى حديثه ل(الرأى العام) الى أنها ضرورة عسكرية لا يجب الإفصاح عن مبرراتها أو بالاحرى ليست هناك ضرورة لتبريرها، ورفض بالتالى أن يكون الهدف منها إرسال رسالة سياسية فى هذا التوقيت، واضاف (الجيش السودانى تاريخياً قام بالعديد من عمليات التمشيط خصوصاً بعد أو قبل أحداث، يرى أهمية التمشيط فيها). وقائع الفترة الماضية تؤكد جزئياً حديث عقيد الحركة الشعبية، فشهدت الفترة الماضية عمليات تمشيط للقوات المسلحة خصوصاً فى المواقع الحدودية المرتبطة باضطرابات مزمنة مثل حدود السودان وتشاد والحدود السودانية مع افريقيا الوسطى، واستمرت عمليات التمشيط بصورة دورية منذ تم التوقيع على بروتوكول أمنى يتضمن أماكن وعدد القوات المشتركة منذ العام الماضى. مارس الماضى، شهد آخر عمليات تمشيط أجرتها القوات المسلحة السودانية بمناطق ولاية جنوب دارفور على مدار يومين، بعد عملية عسكرية واشتباكات مع قوات مناوى، وكان لها الفضل فى تجفيف العديد من مواقع ارتكاز تلك القوات.. من جانبه رفض الخبير الأمنى حسن بيومى أن تكون وراء اجراءات القوات المسلحة وعملياتها رسائل سياسية، قاطعاً فى الوقت ذاته بعدم أحقية السياسيين فى ابداء رأيهم أو مشاورتهم حولها، وقال: (مسئولية هذه العمليات مسئولية عسكرية وليس لأى سياسى الحق فى التعاطى معها أو توظيفها سياسياً). إبراز العضلات القوية فى أوقات الأزمات والحروب ، بدا مبرراً منطقياً لتفسير توقيت عملية التمشيط الأخيرة واختيار الولاية الشمالية مكاناً لها برغم أن المعارك تدور حالياً فى شمال وجنوب كردفان، طبقاً لجمال فإن العملية عملية تمويه أكثر من كونها تمشيطاً لإبراز مقدرات العمل المشترك بين الاجهزة المختلفة وثانياً محاولة لتطويق شمال وجنوب كردفان استعداداً للعملية العسكرية الكبرى التى ألمح لها د. نافع على نافع إعلامياً.. فيما يذهب بيومى الى أن الرسالة الوحيدة التى يمكن الخروج بها من العملية الأخيرة انها تستهدف المتمردين حتى لا يفكروا مجرد التفكير في اعادة سيناريو مغامرة خليل ومحاولة اللجوء لصحراء الشمالية التفافاً الى الخرطوم، بالتالى ملخص الرسالة بانكم لن تستطيعوا استخدام ذات الطريق بعد عملية الجيش وقال(ذلك يؤكد اتخاذ خطوات امنية وقائية لحماية البلاد). )درع الصحراء) بدا اسماً جاذباً، أعاد للأذهان روايات وقصص ما تم فى الحرب العالمية الثانية مثل ثعلب الصحراء فى توصيف القائد الالمانى روميل، وعاصفة الصحراء التى استهدفت الكرامة العراقية، بينما هذه التسمية أو بالأحرى القوة للحفاظ على أمن البلاد وكرامته، ليدور التساؤل حول كيفية تسمية العمليات العسكرية أو معايير اختيار اسمائها.. الاجابة سطرها العميد أمن(م)حسن بيومى، بأن لكل عملية عسكرية ملفاً خاصاً بها يحوى معلوماتها وبياناتها وتفاصيلها السرية، وتسمى باسم آخر باختلاف الاسم الصادر للاستخدام الإعلامى، وقال: (الملف يحوى خطة التنفيذ وأهمية العملية وهدفها وخارطة التنفيذ بالاضافة لأسماء المنفذين واسم العملية). وكشف الرجل عن أن الملف يظل مفتوحاً حتى عودة المسئولين عن العملية بنتائج العملية وتعريفهم ماذا تم؟، وكيف تم؟، وملاحظاتهم، ومواقع الخلل وتوصياتهم لمعالجة الخلل، ويرفع كل ذلك الى ما يعرف بغرفة العمليات المشرفة والمتابعة للتنفيذ، واضاف: (من ثم يكون ملف العملية اكتمل، ويمكن إغلاقه). عموماً، بعيداً عن وقع الآلام الأخيرة التى فجرتها أحداث أم روابة وسيناريوهات أبو كرشولا وما قبلهما وما بعدهما، تظل الخرطوم تنظر بعين مترقبة للقوات المسلحة باعتبارها المعيار الوحيد فى تحديد عدو البلاد من عدمه، وكيفية للتعامل مع كل حالة وفى ذلك يكون الفضول الجماهيرى مرتبطاً بحالة الاطمئنان باعتبار أن الجيش ظل على الدوام صمام أمان السودان، بما يمتلكه من معلومات وأذرع قوية قادرة على حسم كل من يتطاول على حرمات البلاد.