تفجرت الأوضاع بشكل مباغت بمنطقة أبيي، الملتهبة أصلا بين الخرطوموجوبا، باعتبارها أحد ملفات اتفاق (نيفاشا) التي مازالت عصية على الحل، على خلفية الاغتيال المفاجئ وغير المتوقع لسلطان دينكا نقوك كوال دينق مجوك يوم السبت الماضي، والذي خلف جملة من المخاوف والاسئلة المشروعة حول احتمالات لآثار سالبة قد تترتب على عملية الاغتيال.. ولعل أبرز تلك المخاوف واقربها للمراقبين هي الظلال السالبة التي يمكن تترتب على الزيارة المرتقبة للفريق سلفا كير ميارديت رئيس دولة الجنوب للسودان للمشاركة في حفل تدشين استئناف ضخ نفط الجنوب من حقل (فلج) الى ميناء بورتسودان الجمعة المقبلة وفقا لتخطيط وزارة النفط السودانية. وتشير (الرأي العام) هنا، الى ان ضخ نفط الجنوب عبر الأنبوب السوداني توقف منذ أكثر من خمسة عشر شهرا ماضية عقب الاعتداء الأشهر لدولة جنوب السودان على المنشآت النفطية في هجليج وما صاحب ذلك من تداعيات، بجانب المخاوف من تأجيل زيارة سلفا، وأبدى ايضا بعض المراقبين مخاوف قد تكون مشروعة لجهة (هشاشة) عمليات التطبيع وحداثتها بين الخرطوموجوبا والتي بدات تلوح بشرياتها في الأفق في أعقاب شروع الطرفين في التنفيذ الفعلي لمصفوفة اتفاق التعاون المشترك الموقعة بين الطرفين بأديس ابابا في ابريل الماضي. وتوقع مراقبون ان تحرك عملية الاغتيال بعض الدوائر غير الراغبة في تطبيع العلاقات بين الدولتين هنا وهناك لإشعال فتيل الفتنة من جديد واعادة العلاقات الى المربع الأول ما لم تتدارك القيادة السياسية فى البلدين الموقف وتقطع الطريق امام الرافضين للطبيع، وفى هذا الصدد لم يستبعد أحد قيادات المسيرية احتمالات نشوب الحرب من جديد بين السودان وجنوب السودان بسبب الحادثة. ويبدو من تداعيات الموقف ان القيادة السياسية فى البلدين قد أدركت حجم الخطر وتحركت بقوة لاحتواء الموقف وبالتالى تفويت الفرصة على حملة السلاح، وقد تصدر صحف الخرطوم امس خبر الاتصالات الهاتفية التي تمت بين الرئيس البشير ورصيفه الجنوبي سلفا لجهة الاحتواء السريع للموقف وقطع الطريق امام غير الراغبين في عودة الصفاء بين الخرطوم وجوب. وقال سفير جوبا في الخرطوم ميان دوت وول، ان تحركات اقليمية ودولية مكثفة نشطت للحيلولة دون حدون انفلات أمني في ابيي، وكشف عن اتصالات تمت بين الرئيسين البشير وسلفا من جهة، وبين رئيس الوزراء الاثيوبي والرئيس الكيني برئيس دولة الجنوب من جهة أخرى، ووصف ميان ل (الرأى العام) الأوضاع فى ابيى بالهادئة رغم تأكيده على ان اغتيال كوال قد خلف غضبا فى ابيى، غير ان الناس فى ابيى - بحسب ميان- لا يريدون ان يحدث توتر، وان سلفا ابتعث أحد وزرائه لتهدئة المواطنين، فيما أعلنت الحكومة فى الخرطوم عن ان تحقيقا شاملا وشفافا وعاجلا سيتم اجراؤه حول الحادث وتداعياته وان الحساب سيطال كل المتورطين، قبل ان تعبر وزارة الخارجية في بيان لها عن بالغ أسفها وإدانتها للحادث، مناشدة في ذات الوقت كافة الأطراف بممارسة أقصى درجات الحكمة وضبط النفس في هذه الظروف التي وصفتها بالمؤلمة. وفى ذات السياق، عبر وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان في حديث ل (الرأى العام) عن امله فى ان لا يؤثر الحادث على علاقات البلدين، واعتبر الحديث الذى جرى بين الرئيسين البشير وسلفا خطوة جادة من القيادة لاحتواء الأثر، وقال: (حتى الآن لا يوجد اى تغيير فى الزيارة المتوقعة لسلفا كير إلى السودان للمشاركة فى حفل تدشين استئناف النفط). واتفق مع وكيل وزارة الخارجية، نائب رئيس بعثة جنوب السودان في الخرطوم السفير كاونك، وقال إن قدرة القيادة فى البلدين على احتواء الموقف والتحكم فيه، سيجعل الطريق امام اكمال تنفيذ الاتفاقيات سالكا، وأضاف ل (الرأى العام): حتى الآن لم تتلق السفارة ما يفيد بتاجيل الزيارة، لكنه ربطها بالتقرير الفني لوزارة النفط السودانية الخاص بوصول النفط عبر الأنابيب للميناء، غير ان كاونك رمى بالكرة في ميدان الحكومة السودانية فيما يلي تطور تداعيات الوضع في ابيي على علاقة البلدين الثنائية، وقال ان الجيش الشعبي ليس له وجود في ابيي بعد تنفيذ اتفاق المناطق منزوعة السلاح، وأبدى مخاوفه من نفوذ بعض القيادات في المنطقة داخل الحكومات وامكانية تأثيره في تفجر الأوضاع من جديد. اما فيما يلي ضخ النفط وربط الزيارة المرتقبة لسلفا إلى السودان للمشاركة في تدشين أول شحنة بعد التوقف، فقد كشف مصدر مطلع بوزارة النفط، ان ضخ بترول الجنوب قد بدأ بالفعل من الحقول المنتجة بالوحدة تمهيدا لمعالجته فى مراكز التحكم بهجليج، ومن ثم ضخه في الخطوط الناقلة فيما يبدأ ضخه من منطقة (فلج) بولاية اعالي النيل يوم الجمعة القادمة في احتفال كبير تنظمه حكومة الجنوب تمهيدا لوصوله لمراكز المعالجة والتحكم بالجبلين لضخه في الخط الأساسي. وأكدت المصادر ان الأحداث الأخيرة لن تؤثر على تنفيذ الاتفاق في مجال النفط ولا على زيارة سلفا المرتقبة لحضور تدشين أول شحنة للنفط الى بورتسودان. على اي حال، تحركات هنا بالخرطوم واخرى في جوبا على أرفع المستويات تنشط حاليا لقطع الطريق أمام اية تداعيات سالبة قد يخلفها مقتل سلطان دينكا نقوك على علاقة البلدين ويبقى مدى تأثيرها رهينا بمجمل التطورات خلال الأيام المقبلة.