حملت الصفحات الأولى من أخبار الخرطوم أمس كل ما يخدش وجه العلاقة بينها وبين جوبا، وتضعضعت ليالي كليهما بسبب أحداث هجوم مقاتلي الجبهة الثورية الأخير، وعقب سطور اتهام وتحذير الخرطوم لعاصمة الجنوب بانها على علم بدعمهم للجبهة، الاتهام المحمول على بيان أكثر أجهزة الخرطوم سرية، قطعا سيتبعه نفي من جوبا كما جرت الأمور من قبل.. بيد ان ذلك لن يغني عن حقيقة ان الجبهة الثورية( مقاتلي قطاع الشمال على الخصوص) هي الحصان الأسود في حالتي التقارب والتباعد بين الطرفين. فاجتياح مقاتلي الجبهة الثورية لقرى تخوم شمال كردفان الجنوبية ومدينتي ابوكرشولا وأم روابة الشهر الماضي، أدخل العلاقة بين الخرطوموجوبا بين رحى امتحان الثقة والجدية من جديد، بعدما اعلنت السلطات الامنية ما وصفته بتورط جوبا في دعم مقاتلي الجبهة الثورية، واسعاف جرحاها، وتسهيل مهمة حركتهم داخليا وخارجيا، هذه الورطة تعد بمثابة متفجرة تحت أقدام الاتفاقات التسع التي بدأت بالتأرجح،عقب أول طلقة دوت في سماء شمال كردفان. ويمكن القول ان ذلك الاجتياح فاجأ جوبا كما الخرطوم، بعد الإفراط في التفاؤل الذي غرق فيه طرفا التفاوض عقب التوقيع على المصفوفة لإنفاذ الاتفاقات التسع بين الطرفين. ويرى مراقبون ان الفريق سلفاكير ميارديت كان صادقا في الدفع بإنفاذ الاتفاق وانزاله على ارض الواقع دون خداع ، بيد ان ثمة مراكز قوى فى جوبا تقاطعت مصالحها مع هذا التقارب السريع من قبل ان تنفذ أجندتها خاصة بعد زيارة الرئيس البشير ، والجهود المبذولة لإنجاح زيارة الفريق سلفاكير للخرطوم .هذه الخطوات ستقطع الطريق اما أحلام وطموحات كثيرين. أول خصوم هذا التقارب وعلى نحو مكشوف من خارج الحدود.. كمبالا المتضرر الأكبر سياسيا واقتصاديا من اى ملامح تهدئة على حدود دولتي السودان ، ففي أيام القطيعة التجارية وفرض حالة الطوارئ على الحدود بين دولتي السودان ، عمدت دولة جنوب السودان لاستيراد الذرة الشامية من يوغندا،وبالرغم من عدم استساغة المواطنين له الا انهم قبلوه على مضض مجبرين ، وعودة العلاقات التجارية ستخرج يوغندا من المنافسة التجارية خاصة وان هناك (172)سلعة تجارية ستدخل من السودان الى جنوب السودان عبر عشرة معابر مؤمنة تمام تبدأ من ملح الطعام الى مواد البناء لا تستطيع السلع الاوغندية منافستها لجهة اقبال المواطنين الجنوبيين عليها بحكم الإلفة والمعرفة ، كما لا يمكن استبعاد عبث كمبالا من خلف ستار لتخريب العلاقة لجهة انه منذ ظهور الحركات المسلحة في جنوب السودان وخاصة الحركة الشعبية بزعامة الراحل جون قرنق ، عمدت كمبالا الى توثيق علاقاتها الاستخبارتية معها، ويعتبر ادوارد لينو (أحد أهم أبناء منطقة أبيي وأكبر قياداتها) شغل منصب مدير مخابرات الحركة الشعبية ردحا من الزمن كان واحدا من الاصدقاء شديدي القرب للرئيس اليوغندي يوري موسفيني،كما ان لكمبالا طموحات افريقية واسعة لذا تسعى لغلق الطريق امام الخرطوم وإبعادها عن المنطقة ومنع التمدد الاسلامي في عمق القارة من جهة الخرطوم ، فالمعروف ان موسفيني نصب نفسه حاملا للواء الصليبية في المنطقة . ويرى مراقبون ان مراكز الصراع في جوبا دفعت بالسلطان القتيل كوال دينق مجوك للقيام بخطوته تلك ، وقدمته كبش فداء لتفجير الأوضاع في المنطقة بالرغم من ان المعروف عن السلطان كوال انه صديق لسكان المنطقة ولا يميل الى طريقة لي الذراع طوال فترات الصراع ويرى مراقبون ان كوال دفع به دفعا لإشعال أتون الصراع في المنطقة . كما ان أبناء ابيي من القيادات النافذة في الحركة ( دينق الور ، ادوارد لينو،ولوكا بيونق الشقيق الأصغر للسلطان القتيل اختار غربة اختيارية بعيدا عن قضية يراها لن تحل أبدا كما يشتهون) ولن يقبل أى من أبناء المنطقة بأي تسوية فيها لا تجعل من أبيي جزءا من الجنوب، وتضغط هذه القيادات في اتجاه إيلاء الأولوية لملف ابيي، وحسمه لصالح انتمائهم للجنوب . كما ان هناك أكثر من جهة في جوبا يمكن ان تعرقل مساعي سلفاكيرالهادفة للتقارب مع الخرطوم ،فالصراع المكتوم والناشب بين سلفا ونائبه رياك مشار بائن ، رغم محاولات التقليل منه ومن تبعاته ، يدخل ضمن هذه الدائرة فمشار رجل ذو طموح كبير ومنذ أيام الراحل قرنق طرح نفسه قائدا وانشق وكون فصيل الناصر مع لام اكول الذي عقد اتفاقا مع الخرطوم في العام(2007). كما لم يخف نيته عن عزمه لتسمية نفسه مرشحا لرئاسة الحركة في المؤتمر العام المقبل للحركة وعبر تلك البوابة يترشح لرئاسة الدولة تلك أمور يمكن ان توسع دائرة الصراع لتشمل بعض الخطوات التي تتطلب نوعا من المغامرة ، فالتقرب من الجبهة الثورية ودعمها يمثل سندا ودفعا للقيادات الجنوبية التي ترغب في مواصلة دعم مسيرة رفاقهم القدامي من مقاتلي قطاع الشمال من باب حفظ الجميل ، ورياك مشار يمكن ان يقوم بهذا الدور ويقدم دعما مقدرا لمقاتلي الجبهة الثورية لجهة انه في حل عن أي التزام.. اذاً، ثمة سيناريوهات لم تعد تخطئها العين ترجح العودة الا قليلا للمربع الأول بين جوباوالخرطوم، ليس لسوء جوبا ولا لسلامة نية الخرطوم ، ولكن لوجود مستفيدين من خانة المربع الأول بين البلدين ويمرحون داخل البلدين ، فهل تستطيع العاصمتان الحزينتان تجاوز منعطف الأزمة؟!! هذا ما ستكشفه جوبا على وجه التحديد والخرطوم فى الانتظار..