نعم السياسة فكرة انتهازية.. هذا ما تقوله تطورات الأوضاع في مصر بعد عزل مرسي وتداعيات الحدث حتى الآن. في ميدان التحرير انقلب السحر على الساحر، ذات الجماهير التي نادت بشرعية صناديق الانتخابات تنقلب عليها الآن وتعلن انحيازها للجيش، يبدو أن الحنين قد عاود المصريين إلى حكم (العسكر) الذي عاشوه لأكثر من ستين عاماً، والدليل أنهم فشلوا في احتمال الديمقراطية لأكثر من عام. لا تتحمل القوى السياسية في مصر وحدها مسؤولية تقويض الديمقراطية وممارسة أقصى حالات الانتهازية.. الشعب نفسه يقاسمها جرم الانقلاب على الديمقراطية، ولكن بفهم مختلف ربما بإحساس تطوير التجربة وحراسة مكتسبات شرعية ميدان التحرير أو هكذا زينت له القوى السياسية المناوئة لحكم الرئيس مرسي. انتظر المصريون الديمقراطية بعد عشرات السنين في حكم العسكر وانقضوا عليها بعد عام.. ذات الأحزاب التي حشدتهم لانتزاع حكم الكاكي عادت الآن لتحمل الجيش إلى قصر الحكم في مصر. انحاز الجيش إلى قلق المصريين وهم يكفرون بديمقراطية صناديق الانتخابات وينحازون إلى شرعية ميدان التحرير، نجحت القوات المسلحة المصرية في التأكيد على التحامها بالشارع المصري وفشلت القوى السياسية التي مهدت لها الطريق إلى عزل مرسي دون أن تسأل نفسها ثم ماذا بعد؟، الطريقة التي ذهب بها الإخوان المسلمون تنزع القداسة عن مفردة الديمقراطية المستوردة التي يلوكها السياسيون في مصر والعالم العربي، ربما هي الانتهازية التي تجعل السياسي لا يفكر سوى فى إيذاء منافسه وإن اتبع وسائل مواجهة غير شريفة. في الخرطوم مارست القوى السياسية نظرية الانتهازية وهي تتعاطى مع الحدث بما يحقق مصالحها الخاصة.. الدكتور حسن الترابي الذي انقلب على حكم ديمقراطي رفض إزاحة الجيش المصري للرئيس مرسي، الموقف ينحاز إلى ارتباط الترابي بتنظيم الإخوان المسلمين العالمي الذي عبر عنه الدكتور القرضاوي في فتوى أصدرها أمس الأول ويتواءم مع البيان الذي أصدرته الحركة الإسلامية السودانية وهي تعتبر أن عزل مصر خروجٌ على الديمقراطية. حزب السيد الصادق المهدي الذي كان يشكو مر الشكوى من انقلاب الإنقاذ على حكمه الديمقراطي أيد ما حدث في مصر واعتبره محاولة لتنظيم الممارسة الديمقراطية ومراجعة الأخطاء وإعطاء النظام الديمقراطي فرصة جديدة. على كلٍّ أثبتت تجربة مصر أن السياسة (فكرة انتهازية) يأخذ منها كل شخص ما يتناسب مع مصالحه.. الديمقراطية يمكن أن تكون خطراً على الشعب.. ليس هنالك نظام مفصل بالمقاس تعتنقه الشعوب مثل الدين.. تجارب الحكم قابلة للتطوير والمراجعة بعيداً عن مأثورات الأدب الغربي.. الغبائن هي التي تحرك المواقف داخل رقعة اللعب السياسي.. الجيش يظل هو الحكم الذي دائماً ما يشهر البطاقة الحمراء في وجه الساسة، لن يلومه أحدٌ إن كان في تدخله حقن للدماء وسعي دؤوب لتحقيق الأمن والاستقرار بعد أن عجزت القوى السياسية بألاعيبها وضعف تجربتها عن حماية نظام ديمقراطي يفترض أن يكون محروساً بالأخلاق والمبادئ قبل البلطجية وأعمال العنف.