كنت اتوقع ان يعتذر ابني حسن الطالب الجامعي عن مرافقتي لمعرض الكتاب الدولي مساء ذلك اليوم الختامي للفاعلية بحجة أنه ذاهب إلى نادي بري لممارسة الرياضة هناك.. فغالبية شباب هذا الزمن البائس -ولا يجوز التعميم هنا- لا يحبون القراءة لا كتب ولا مجلات- إلا عند الضرورة القصوى- الإطلاع على عجلة «وكلفتة» مقررات الدراسة.. طبعاً لا ينطبق هذا على كل فئات الشباب.. ذكوراً وإناثاً .. فمنهم يحسنون استخدام الوسائل الحديثة مثل اللابتوب وأجهزة الاتصال الأخرى.. لأغراض اخترعت من أجلها.. - وكذلك منهم المشغولون دائماً بجهاز التواصل الاجتماعي- فنراهم محتضنين بذلك الجهاز.. يسهرون الليالي ويصبحون ملتصقين به «الونسة» والثرثرة فيما يطلق عليه الشباب «الشات».. وفي الحافلات نراهم وهم منشغلون بتلك الأجهزة اللعينة.. منكفئين عليها.. ولا يولون أدنى اهتمام بأي نقاش يدور بين الركاب.. بعد هذه المقدمة الطويلة أو «الرمية» حسب تعبير البوني.. أعود إلى صلب الموضوع.. ففي طريقي إلى أرض المعارض ببري «كداري» عادت بي ذكرياتي مع الكتب.. كانت بداية حبي للاطلاع صدفة فقد لاحظت اهتمام شقيقي الأكبر محمد بكتب ومجلات كان يحتفظ بها والدي «رحمة الله عليهما» وأذكر بين تلك المطبوعات كتاب طه حسين «على هامش السيرة» «عند نهاية دراستي في مدرسة حلفا دغيم الأولية.. تلت مرحلة الخلوة- كنت قد اطلعت على أجزاء من السيرة النبوية .. الوالد كان يحتفظ أيضاً بأعداد قديمة من مجلة «الرسالة» لصاحبها أحمد حسن الزيات.. فقد كانت هذه المجلة حافزاً لمحمد لمزيد من الاطلاع.. ولما كنت أعتبر شقيقي الأكبر قدوة فقد حاولت السير على خطاه بقدر من النجاح كما يتبين لاحقاً.. في المدرسة الوسطى.. التي تسبق مرحلتي الثانوي والجامعي.. زاد شغفي بالقراءة وهذه المرة باللغة الإنجليزية.. وكما كان الاستعمار البريطاني حاضراً في مقدمات الدراسة في تلك السنوات التي سبقت استقلال السودان.. فان مكتبة مدرسة وادي حلفا الاميرية الوسطى ثرية في محتوياتها.. روايات انجليزية كلاسيكية كثيرة مثل مرتفعات ديذبرنج واوليفر تويست وديفديد كوبرفيلد وجزيرة الكنز وسلسلة مغامرات شرلوك هولمز البوليسية لكاتبها السير آرثر كونان دويل في نهاية القرن التاسع عشر.. وكانت كل الروايات الكلاسيكية مكتوبة بلغة مختصرة ABRIDGED يسهل فهمها لغير الناطقين بالإنجليزية.. وكانت هذه الروايات حافزاً لنا على تجويد لغة المستمعين.. كنت وزميلين آخرين في تنافس محموم لقراءة أكبر عدد من تلك الروايات .. الطالب شوقي حسن المغربي الذي أصبح لاحقاً بروفيسوراً .. بعد تخرجه في كلية الطب.. وتوفى قبل نحو سنتين «رحمة الله عليه».. كان المنافس الرئيس لكاتب هذه السطور.. في نهاية آخر عام دراسي في المرحلة الوسطى قبل الدخول في امتحانات المرحلة الثانوية.. وقف مدرس الانجليزي في الفصل يعلن نتيجة هذا «السباق».. قراءة العدد الأكبر من الكتب الإنجليزية.. شوقي حسن المصري «36» كتاباً وأحمد حسن محمد صالح 37 كتاباً.. يالها من أيام..