«مشكلات الشباب المسلم في عصر العولمة» تحت هذا العنوان أقامت رابطة العالم الإسلامي مؤتمرها السنوي في هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة. وصدر البيان الختامي عن مؤتمر مكةالمكرمة العاشر بمثابة إعلان إسلامي عن ما يواجه شبابنا من مشكلات خاصة بهم أو مشكلات تتعلق بأوضاعهم ، والدعوة لإعداد خطط ومشروعات وطنية ذات طابع عملي تطبيقي لتمكين الشباب من حل مشكلاته. وقد أظهرت مداولات المؤتمر أن الفراغ والبطالة من أبرز المشكلات التي تواجه الشباب في عصر العولمة ، وقدمت بعض الوفود تجاربها في الحد من هاتين المشكلتين ، حيث برزت البرامج الإجتماعية والأعمال التطوعية وفرق الشباب من التجارب ذات الأثر. ولاحظ المشاركون وجود نوع من التمييز أحياناً عند استيعاب الشباب في هذه المناشط ، إذ يجدر إحتواء طاقات الشباب كافة بغض النظر عن انتماءاتهم وأعراقهم وأجناسهم. كما لاحظ المشاركون أن الحياة العصرية وما يتبعها من الفراغ الناتج عن عدم وجود مراكز وأندية شبابية جعلت الكثير من شبابنا يلجأ إلى الهرب من واقعه إلى عوالم أخرى عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت. ورأى بعض المشاركين من دول الغرب أن الشباب من الجيل الثالث هناك يتعرض إلى فقدان الهوية الدينية الوطنية ، مع أن هناك شباباً يزدادون إلتزاماً بدينهم في الأقليات المسلمة. وقد تفاوتت نظرة المتداخلين إلى معايير الخلل التي تنتاب حياة الشباب في هذا العصر. وسألت أحد مقدمي الأوراق الدكتور محمد بيومي من مصر عما ظهر في ورقته بتقدم معايير الخلل الأخلاقي في مشكلات الشباب عما عداها من المعايير ، وما أظهرته الورقة أن المعيار المادي والإقتصادي جاء في المرتبة الأخيرة ، فذكر لي أن النتيجة منطقية ، ذلك أن الفراغ والبطالة نفسها إنما هي عرض لمرض أخلاقي في المقام الأول وأن الشباب الذين ينالون تربية دينية وأخلاقية سليمة لا يقعون في مشكلة البطالة والفراغ. ولكن المشاركين في النقاش رددوا القول بأن الإرهاب والعنف والقرصنة وتجنيد الأطفال في الحروب ، وهجرة الشباب عبر الحدود في رحلات محفوفة بالخطر، كل ذلك ناتج عن عاملي الفقر والبطالة وفقدان الشباب الأمل في بلادهم. وعرض المؤتمر نماذج مؤثرة لقصص شباب وقعوا في محظور إدمان المخدرات وعرّضوا حياتهم لخطر الموت. وبرزت ظاهرة لجوء الجنسين إلى التزاوج بديلاً عن الزواج وانتشار الزواج العرفي في المؤسسات التعليمية وما ينجم عن ذلك من حالات اللقطاء والأولاد بغير والدين. وقد ذكر أحد المشاركين أنه قابل لقيطة قالت له: إنها نشأت وهي تعتقد أن الناس جميعاً لا آباء وأمهات لهم! ومن المشكلات الثقافية التي تعرّض لها المؤتمر نقص القراءة وفقر المكتبة العربية والإسلامية من الكتب الموجهة إلى فئات الأطفال واليافعين والشباب ، وكان زميلنا الدكتور محمد وقيع الله الأستاذ بجامعة خليفة بالشارقة قد ساهم بتقديم ورقة عن هذا الموضوع ، وكان ملفتاً تركيزه على ما ثبت علمياً من أن الطفل يبدأ استيعاب ما يقرأ له من الشهر السابع من عمره مصداقاً لقول الله تعالى : « والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة « فالإنسان يولد وهو لا يعلم شيئاً، ثم لا يزال يتعلم حتى يوارى في رمسه. ولم تخل جلسات المؤتمر من تناول بعض التعليقات على ما نشب بين الجزائر ومصر في مباريات الكرة الأخيرة بوصفها مجالاً للاعتبار وأخذ الدروس ، في مداخلة بين وزير الإعلام السعودي الأسبق محمد عبده يماني وأستاذ من جامعة الجزائر الذي قال إنه سقى حاجة مصرية كوبين من ماء زمزم داخل المسجد الحرام فشكرته المصرية متعجبة أن يكون هذا جزائرياً سائلة إياه: إزاي يقولو إنكو مش عرب ، وأنت بتتكلمو عربي زيِّنا! وجاءت آراء بعض العلماء والمفكرين متفائلة ، مذكرة أن استعراض المشكلات وتحليلها لا يعني أن الواقع الشبابي كله سلبي ، بل هناك إيجابيات كثيرة ، وقدمت نماذج لنجاح برامج الشباب ، بل إن أمير منطقة المكرمة الأمير خالد الفيصل أشار إلى غالبية شبابنا على الجادة على الرغم من وجود المنحرفين والمتطرفين فيهم. وتكلم بعض المتداخلين بأنهم لم يروا شباباً في القاعة مع أن الموضوع يخصّهم ، وقالوا إن رؤى الشيوخ لمشكلات الشباب تختلف قطعاً عن رؤى الشباب أنفسهم ، وأن الشباب قادر على التعبير عن نفسه ، فكان من المناسب الإستماع إليه وعدم التفكير بالنيابة عنه. ودافع البعض بالقول إنهم كتبوا أوراقهم بناء على استطلاع رأي الشباب وأن رأي الشباب لم يكن بعيداً. وأشار أحدهم في هذا الصدد إلى وجود عدم إنسجام فكري أحياناً بين الشباب والشيوخ ، مستشهداً بعبارة قالها أحد الغربيين : «إن الشباب يظنون أن الشيوخ حمقى ، في حين أن الشيوخ متأكدون من أن الشباب حمقى»!