في هذه السلسلة من السيرة الذاتية للروائي إبراهيم اسحق.. نجد تداخلاً ما بين الحياة وكتابة الروايات.. وهي كتابة شديدة الحيوية، وبمثلما هي تؤرخ لما وراء الرواية الادبية التي يكتبها الروائي ابراهيم اسحق، فهي ايضاً تؤرخ لعصر ادبي كامل حيث ارتباط الكتابة بالحياة التي تحيا وسطها ومنها تستمد اطارها العام والتفاصيل الدقيقة الكثيرة التي ترسم خصوصيتها بذات القدر الذي تحدد به عموميتها. ولهذا علينا قراءة هذه السير في ارتباطها التراتبي في النشر كما يرد هنا. * (المحرر) في هذه الحقبة ما بين 1976 و1982م توالى نشر قصصي ومحاوراتي في ملحق (الايام الثقافي) باشراف المبدع السردي عيسى الحلو، ودافعت عن رؤيتي للصناعة السردية في مجلة (الثقافة السودانية)، كما عرضت آرائي الثقافية في هذه المجلة المذكورة وفي مجلة (الخرطوم) وفي (الدوحة) القطرية ومجلة (سوداناو) الانجليزية الصادرة في وزارة الاعلام السودانية.. وقد تكللت كل هذه المساندة لي بايجاد دور لي في مهرجانات الثقافة على عهد مايو حتى منحت «نوطاً تشجيعياً» في العام 1979م. (ج/9) أظن ان الاتجاه نحو الاكاديمية اشتبك تلقائياً مع الجهود الابداعية والتملي في روافدها ومعانيها.. فقد تحمس البروفيسوران سيد حامد حريز وأحمد عبد الرحيم نصر للعمل غير المحترف في (الحكاية الشعبية في افريقيا) بعدما اخرجه المرحوم محمد عبد الحي في كتاب العام 1977م.. فكان ان اقنعا البروفيسورين يوسف فضل حسن والطيب زين العابدين والبروفيسور المرحوم محمد عمر بشير، ومعهم اعضاء المجلس الاكاديمي لمعهد الدراسات الافريقية والآسيوية بجدوى استيعابي هناك كتجربة لحالة التجاوز الاكاديمي بحجة الطالب الناضج.. وتحت تلك المظلة اظنني اغتنمت الفرصة فنشرت لي بعض المقالات الفولكلورية. كانت ثمرة هذا الاختبار هو ان يسهم المرحوم عبد المجيد عابدين ومؤرخون من قسم التاريخ السوداني في اجازة رسالتي للماجستير (السيرة الهلالية في دارفور) في العام 1984م والتي نشرتها جمعية الملك فيصل الخيرية في العام 1996م باسم (هجرات الهلاليين).. كنت يومئذ مغترباً وواجداً في الدكتور الصادق محمد سليمان بمركز دراسات التراث الشعبي الخليجي في قطر معيناً منصفاً فتوالت في مجلتهم «المأثورات الشعبية» مقالاتي المتخصصة الخاصة بذلك المجال.. إلا انني ايضاً أحمل امتناناً كبيراً جداً للبروفيسور يحيى محمود بن جنيد الذي استوعب امكانياتي في مجلته «عالم الكتب» بالرياض وأوكل لي لست سنوات مسؤولية تقديم الكتب الجديدة المهداة إلى المجلة.. ولم ترفض جريدة «الجزيرة» السعودية مقالاتي الادبية لعدة سنوات، كما وصلت مرة على الاقل الى «المجلة العربية» البالغة التدليل.. ربما كنت أحمل شيئاً من الاسف لانني لم استوعب في المسار الاكاديمي الجامعي، حتى فات علىّ الفوات، لكنني احسن الظن بقدري بأنني، ان مد الله في الآجال، ربما كتبت ما يظل في عيون الاكاديميين مستحقاً للتقدير.. ذلك لان الكسب العقلي عندي لم يكن يوماً ليعزل ما بين الهموم الثقافية والابداعية والاكاديمية بأية حجة كانت. (ج/10) كانت سنوات المهجر ال «23» في الرياض مثمرة جداً بالمعايير التي ثبتها في عقلي صديقي المرحوم محمد عبد الحي.. كان يرحمه الله يعيد علىّ مقولة الامام محمد الغزالي الطوسي بأن على العقل المنفتح ان يقرأ في كل الموضوعات حتى السحر (بشرط الا يعمل بما يضر).. لقد جمعت بحمد الله اثناء اغترابي ما لا يقل عن عشرة آلاف مجلد من الكتب المنتقاة سُرقت منها حوالى خُمسها.. لكن السفير الفريد عثمان الدرديري المبارك واخوته في الرياض حرصوا على بلوغ الشطر الاكبر من هذه المجلدات الى ارض السودان في العام 2004م.. وانني لعاجز عن شكر اولئك اجمعين. أما الساحة الثقافية في الرياض فلم تشجع من الادباء الاجانب حاملي الاقامة إلا من يتغنى بسمو الانتاج الثقافي السعودي.. صحيح اننا اخترقنا ذلك الحاجز في تعاوننا مع بعض الجرائد والمجلات والمراكز الثقافية الرفيعة في الرياض إلا اننا يجب ان نشهد بالحس الذي عشناه عموماً في تلك السنوات العشرين.. وفي السودان انهار الاهتمام بالثقافة منذ العام 1980م وحتى اليوم، على المستوى الرسمي فجاءت العصا على رأس الابداع ونقده والتنظير الثقافي.. لهذا السبب طبعت رواياتي (وبال في كلميندو) في العام 2002م و(أخبار البنت مياكايا) في العام 2001م في الخارج بمجهود مقدر من مركز الدراسات السودانية وباهتمام خالص من مديره الدكتور حيدر ابراهيم علي، اعاننا الله واياه.. ونشر شباب من دارفور رواية (فضيحة آل نورين) بالرياض في العام 2004م.. ثم إلتزم مركز عبد الكريم ميرغني، شد الله من ازرنا وازره، بنشر مجموعتين من قصصي القصيرة البالغ عددها «28» قصة فاخرجوا «ناس من كافا» في العام 2006م واظنهم ينتظرونني متى افرغ من توضيب المجموعة الثانية (حكايات من الحلالات)، لعلها تخرج في العام 2008م ان شاءت الارادة الربانية. (ج/11) يطمح مشروعي الابداعي الى تسجيل صورة سردية متحركة للجزء الذي استوعبه من الحياة التي اعاصرها.. وهذه الصورة اطمح في ان تكون متصلة وليست متناثرة.. ولذلك فقد هداني بارئ العقول والمواهب الى ابتداع اسرة من الرواة سميتهم آل كباشي وجعلت العقد القائم بيني وبينهم هو ان اقوم لهم بدور كاتب الديوان السلطاني قديماً وكاتب العرضحالات حديثاً.. أي ان الكلام لهم والصياغة لي.. وبذلك فالروايات الست والقصص القصيرة ال «28» حتى الآن هي ثمرة تعاوني معهم داخل هذا العقد.. ونطمح معاً ان تكتمل هذه العشرة بما لا يقل عن خمس روايات وخمس قصص قصيرة اخرى قبل ما انفض.