مشهدية ذاخرة تصافحها العين و هي تطوف تخوم المجموعة الشعرية لعالم عباس.و التي هي بحق لوحة كونيةباذخة.تتوامض فيها الشهب و النيازك و البروق.و ترزم الرعود و تدمدم البراكين.و يتلاطم الموج و تتماوج السهوب.و تتداخل المدارات و المعارج.و يتبرج الفجر مغوياً النسيم و النحل و الزهر.و هكذا تتوالى في تلك المشهدية بلا اخر إنسكابات االلون. و إنبجاسات حزم الشعاع و بهر الضوء.و تتواتر التكوينات التشكيلية الأيقونية البصرية السخية.التي تسجلها ضربات فرشاة حركة العين و حركة الذاكرة.التي تكتنز بدورها خصوصية الشاعر الثقافية و البيئية و ثروته اللفظية. و تمتح من مخزونه العاطفي و النفسي و المعرفي الفكري.و مقاصده الإبداعية و نواياه الجمالية. و كدحه الفني و غنائيته المترفة الفارهة.و مغامراته اللغوية الجاسرة.التي لا ترضى بأقل من هزهزة اللغة و تثويرها. و إباحتها بالكامل لكيمياء الشعر لتنفذ الى داخل المفردة.فتزحزح جسيماتها .و تلعب بنوياتها الذرية الداخلية.لمضاعفة نصيبها الجمالي و قوتها الدلالية و التأثيرية. و في الخاطر الشاعر شوقي أبو شقرا في فعاليات بيروت للكتاب ديسمبر2008. و هو يقف ليقدم عالم عباس و سحره السوداني .مثمناً تلك الطاقة الإبداعية المثابرة.المتضلعة هكذا في الإستحواذ على الرمز.و المتمهرة في غزو أكناف الدغل الشعري. و (سحب أرنب الشعر من وكره). ثم اذا بابو شقرا يمد يده العارفة لينفذ الى بطن صندوق عالم عباس السحري المائج بالتعاويذ و الطلاسم و التمائم .ليقبض ابو شقرا ببصيرة إبداعية نافذة على بعض أسرار « في إنتظار الكتابة».و عالِمها الذي (يحمل قصيدته اللينة القوام و النار معها). فالمتدبر لديوان (في إنتظار الكتابة) يجد أنه يسوح في افياء حوارية مائية- ضرامية مدهشة. تتلاحم فيها الأمواه و الجمار.و تتلاثم الفيوض و الحرائق و رشقات الشعاع.حيث: امرأة أنثى أعرفها بل قد لا أعرفها ! أنثى تحرقني كالند و تهمي فوقي تغمرني كالماء و كما هي كلماته لصحيفة الخليج يعرج عالم بقلقه الشعري المتلظي الوقاد (ساعياً بالشعر بحثاً عن خلاصه الشخصي).هادراً بذلك الدفق الإيقاعي الممعن في عنفوانه: إن لكِ الوجد حتى و إن ضاق ماعون حرفي بوسع الكلام و أن لكِ الشوق حتى و إن كان صمتي البليغ يدمدم في سره المتبركن مثل فيزوف تغلي مراجله في أتون الضرام! و هكذا تهمي الشهب نضاحة بالضياء.و تندلق الحمم ساكبة للألق.ماء و نار.موج و ضياء: بين نار الحنين و غيوم الدخان و اشتعال الزمان و السنا و البريق و احتدام الحريق موسيقى كونية و حشية مجلجلة..لا شيء يلجم عزيفها الجبار و لا تكاثفاتها الزمانية و المشهدية المائجة الموارة: لعل اللهب نفحة من غضب! و هذا الدخان الذي تسامق كالرمح سارت به الريح عارية في السحب مناراً و ناراً عموداً من الضوء سارية للشهب. و هكذا فأن (في انتظار الكتابة) سفر ينضح قصيده بغزارة معجمية لافتة ترفد حوارية الماء و النار. حيث نقع على أفعال (مائية لينة) مثل (تطفو.. تمطر ..ترقرق ..سال..ذاب..تدفق..أندلق). و كذلك الصفات من أمثال دفاقة..مهراقة..نضاحة..ساكبة.و حيث الغيث و الغيوم و اللجج و النوافير و الينابيع و الرغو و الأمواه. يقابلها بالضرورة القاموس الضرامي الموازي بأفعال من عيار ( شب..أستحر .. أكتويت.. أوقدت ..سجرت.. أشعلت.. تجمرت) .و الفاظ وقادة لها أوار (نار..جمر..لهب..دخان..لظى..جذوة..أتون..براكين و مراجل .. فسفور و كبريت). و تتناثر حول ذلك سهام الضوء (بهراً و سنا و شعاع و وهج وومض و برق و ألق). و تتدافع مواكب الشموس و الكواكب و النجوم التي لا تنكسف و لا تنخسف. إنتهى-