عرض أحد المشاركين في برنامج (دكتور فيل) مشكلته العائلية على البرنامج، فكانت الخطوة الأولى هي أن يسمع البرنامج التهمة والدفاع من أصحابها. قال الرجل: إن زوجته تخونه جهارا نهارا. الزوجة لم تصف فعلتها بالخيانة، لكنها قالت : نعم لي علاقات جنسية خارج إطار الزواج. فلم يمهلها صاحب البرنامج وسألها السؤال الذي يتحرق الجميع لمعرفة إجابته : لماذا؟ أجابت بلا تردد: لأنه يقيم علاقات مع صديقاته. سألها : لقد تفاديت أن تسمي ما فعلتيه ب (خيانة زوجية). الآن نريد إجابة صريحة : هل تعتبرين ما فعلتيه خيانة زوجية؟ أجابت : سمه ما شئت، إن اعتبرت ما فعله خيانة، فسأعتبر ما فعلته أنا خيانة. وإن لم تعتبر ما فعله خيانة فلن أعتبر ما فعلته خيانة. بمثل هذه الصراحة يناقش الأمريكان تفاصيل حياتهم. سقت هذا المثل لأدخل به إلى آخر حلقة في برنامج (منبر سونا) الذي يقدمه بابكر حنين وتبثه قناة النيل الأزرق. وكانت الحلقة مع مرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي حاتم السر. زاد مرشح الرئاسة الاتحادي من جرعة الصراحة وساق تهماً محددة للقضاء السوداني. تباينت الرؤى لما قاله السر، البعض اعتبره تسييساً لما لا ينبغي أن يسيس، مثل تسييس النظرة للقضاء. والبعض قال إن أية تهمة ينبغي أن تكون مدعومة بالإثباتات القانونية. وأعتبرها البعض جزءاً من أحاديث السياسة (الفالتة) التي يُغض عنها الطرف غالباً. زمان كانوا يقولون : (لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك). الآن نقول إن ما يتفوه به الإنسان لا يذهب أدراج الرياح، فهو يحسب له أو عليه. في كل الحالات ما يقوله الانسان يرصد له ويحاسب عليه، إن خيراً فخير أو شراً فشر. إذا ابتعدنا عن النظرة القانونية فالرؤية السياسية لها موازينها كذلك، وهي موازين مفتوحة للجميع. فقد ظلت الموازين منصوبة لتقييم السؤال الذي وجه لمحمد إبراهيم نقد والإجابة عليه. وقبل أن تهدأ نصبت موازين لتقييم المواجهة التي ارتفعت بين مبارك الفاضل ومقدم البرنامج، وكان الناس يتحدثون عن ذكاء الفاضل وحضور بديهته. وقبل أن تهدأ إحتل الصادق المهدي الساحة لكنه لم يهنأ بها كثيراً إذ دهمته مداخلات حاتم السر الأكثر خشونة. وبعد .. هل نستطيع أن نبلغ بالصراحة في حواراتنا ما بلغته صراحة المجتمع الأمريكي؟ لكن ينبغي أن نفهم أن صراحة الأمريكان محكومة بنظم المجتمع الذي يقبل الصراحة بلا حدود، لكنه يقبلها في حدود القانون. كل كلمة تقال يجب أن تبقى مسورة بالقانون، وإلاَّ فالمحامون واقفون على الأبواب ينتظرون أقل إشارة.