(كلما أمعنت الحياة في قسوتها كانت الأغاني أجمل و أفدح) .. كالعادة لم تخل ليلة جوائز الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون السينمائية في أوسكارها رقم (28) من المفاجآت و الفرقعات الملونة. ومن ذلك فوز كاثرين بيغلو كأول امرأة تنال جائزة أفضل مخرجة. عن فيلم (خزانة الألم). الذي استطاع أن يزيح فيلم الخيال العلمي (افاتار) بميزانيته و تكاليف إنتاجه الباهظة.و التقانة و تأثيرات العرض عالية الدقة و الإبهار. وكذلك فوز الممثل جيف بيردجيز، بعد أن كان قد رُشّح سابقاً لأربع مرات، بأوسكار أفضل ممثل رئيسي عن دوره في فيلم (قلب مخبول). وهو دراما موسيقية تحكي قصة مغني موسيقى ريف أمريكي في دغل أزمة منتصف العمر. ورحلة حياته المسممة بالادمان على الكحول. وتحوله الى (مجرد عربيد بائس يحاول التشبث ببقايا إنسانيته المنكوبة). حسب تعليق الناقد السينمائي غلين كييني. والفيلم من تأليف وإخراج سكوت كوبر. وهو مقتبس من رواية بنفس الاسم من تأليف توماس كوب. صدرت في العام 1987م، وتحكي، كما أسلفنا، قصة مغني وشاعر غنائي في العقد الخامس من عمره. وقد كان نجماً له جمهوره وشعبيته. ولكن بعد نكسته النفسية، يصبح مدمناً كذلك على الفشل واللا مبالاة. سواء كان ذلك في عمله كموسيقي محترف أو حتى في زواجه ومحيطه الإجتماعي عامة. فيركن الى العزف والغناء من وقت لآخر في ملاهي ليلية وحانات رخيصة. ترمي له بأجر زهيد لا يكاد يقيم أوده. فيهيم على وجهه بعربته الكهلة. ويضطر للسكنى في نزل رخيص على الطريق العام. مستسلماً لحياة متقلبة. ومليئة بالمطبات والمزالق. تجعله يتمادى ويعمه في الرعونة و تدمير الذات. ثم تحدث الإنعطافة الكبرى في حياته عندما يلتقي بصحافية شابة. تجري معه مقابلة حول مهنته وانحسار شهرته كموسيقي. فيشكل ذلك عنده حافزاً لمحاولة النهوض لإستعادة حياته ونجوميته. وينخرط من ثم بعزم في كتابة الأغنيات وتطريز ألحانها. حتى يجد طريقه الى الأعلى مرة أخرى. ونعود لجائزة الأوسكار، لنجد أن فيلم (قلب مخبول) قد نال ذلك التقدير الرفيع باداء الممثل الموهبة جيف بيردجيز. الذي أجمع النقاد على أنه قد إرتقى بالعرض من مجرد قصة بوتيرة تقليدية الى ملحمة إنسانية.تنسج بأناة خيوط المأساوي والرومانسي والهزلي والعبثي بتساوق رهيب. فمنحته دوائر النقاد جوائزها في محفلها السنوي. إضافة الى جائزة الكرة الذهبية (غولدن غلوب) في يناير المنصرم. فكان ذلك فاتحة الدرب الى منصة الأوسكار. واستطاع الفيلم أن يحقق كذلك جائزة أفضل أغنية أصيلة.من أداء المغني اللامع رايان بينجهام الذي كتب كلمات الأغنية وقام بأدائها كشارة للفيلم.حيث يصدح بنكهة الجيتار (لملم نثار قلبك المخبول المنهك..و لتحاول مرة أخرى..). وكان جيف قد ترشح لأوسكار أحسن ممثل رئيسي بعد منافسة محتدمة مع نجوم من وزن جورج كلوني و كولين فيرث و جيرمي رينر.و كذلك مورجان فريمان الذي أجمع البعض على كونه الأجدر بالجائزة. عن دوره في فيلم (انفكتس). من اخراج كلينت أستوود. والذي جسد فيه بشغف شخصية الزعيم الأفريقي المهيب نيلسون مانديلا. ومع أهمية ركائز العرض الأخرى لفيلم (قلب مخبول)، من سيناريو و قدرات إخراجية ومؤثرات سمعبصرية، فإن اداء جيف تحديداً قد كان هو العامل الرئيسى الذي رجح بالعمل. وأسهم بفعالية في حمله الى منصات الشرف. ذلك أن سحر وكاريزما شخصية جيف وقدراته الأدائية الأصيلة قد أعانته كثيراً على الإندماج والتلبس والمعايشة. وبالتالي القدرة الهائلة على إظهار إستجاباته العاطفية والذهنية. وطاقاته الإنفعالية التي طوعها بلغة الجسد المفصحة في كل عبارة وكل إيماءة. حتى أنه قد قام باداء أغنيات الفيلم والعزف على الجيتار بنفسه. دون حاجة الى تلفيق دوبلاج صوتي. وقد صرح جيف بأن تعاطفه مع القصة كموسيقي. بالإضافة الى صداقته العامرة مع فريق الفيلم. وأجواء العمل الودودة والحافزة قد ألهمته ليعطى أحسن ما عنده. وليتمهر بالتالي في القبض على جوهر الشخصية. وتجسيد ملامح إنسانية متراكبة. وشديدة التناقض والجموح. -إنتهى-