أعلنت ولاية الخرطوم أنها بصدد استجلاب عدد خمسمائة بص من جمهورية الصين وبالفعل وصل مائتا بص وبررت الولاية استيراد تلك البصات بالمساهمة فى ضائقة المواصلات وتقديم خدمات جيدة خاصة وان تلك البصات مكيفة وتعمل بنظام الدفع المقدم «بدون كمسارى». المؤسف فى خطوة الولاية تلك انها لم تحسب الاثر السالب على اصحاب الحافلات والبصات والذين سيصبحون اول الضحايا من ذلك المشروع خاصة وان قطاع النقل والمواصلات بالسودان يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للشباب، كما انه يعتبر وسيلة من وسائل الاستثمار الصغير لكثير من المغتربين واصحاب الدخل المحدود ويعتمدون عليها فى توفير مصاريف آلاف الاسر ورغم ان ذلك القطاع يعتبر مجال استثمار للافراد والقطاع الخاص الا ان الدولة لم تحقق فيه اى نجاح يذكر منذ بصات ابورجيلة والى بصات هيئة مواصلات العاصمة، حيث يشهد على ذلك آلاف البصات المشلعة والخردة والتى كانت بمنطقة ابوحمامة جنوبالخرطوم. لقد فشلت الدولة فى ذلك الاستثمار ايما فشل ولم تحقق فيه اى ارباح بل لم تعمل على تجديد اسطولها من البصات وكان حل تلك الهيئة من انجح قرارات التحرير الاقتصادى الذى قاده عبدالرحيم حمدى بداية التسعينيات، والرجل يشكر على ذلك لانه رمى بقفاز التحدى للقطاع الخاص وفرغ نفسه للقضايا الاستراتيجية . وبعد أكثر من عشرين سنة على سياسة التحرير الاقتصادى تفتقت عقول منظرى ولاية الخرطوم عن فكرة استجلاب بصات حكومية لحل مشكلة المواصلات وحقيقة لا توجد أزمة خانقة فى المواصلات، بل بالعكس قمة الأزمات كانت أيام ادارة الدولة لمرفق المواصلات حتى أن الازمة اضطرت العميد يوسف عبدالفتاح نائب المعتمد وقتها لاستجلاب جرارات لشحن الركاب وذلك بداية عهد الانقاذ، ورغما عن ذلك لم تحل المشكلة إلاًّ بدخول القطاع الخاص ومساهمته باستجلاب عشرات الآلاف من الحافلات والبصات فلماذا تريدون ان تخنقوا الدجاجة التى تبيض لكم ذهباً والتى يعمل اصحابها سنويا على دفع تراخيصهم ورسومهم لخزينتكم بل يدفعون حتى رسوم الموقف الجديد؟! بل إن الولاية ارتكبت خطأ اقتصادىاً عندما سمحت بتمويل تلك البصات من بنوك محلية وهو اجراء ضد سياسة البنك المركزى والتى تحظرتمويل الشركات الحكومية من البنوك المحلية، هذا اذا افترضنا ان البنوك مولت شركة حكومية ،فما هو يا ترى الضمان الذى قدمته ولاية الخرطوم لتتحصل على ذلك التمويل؟ ألم تتعظ البنوك من تجربة استيراد شاحنات قبل خمس سنوات عندما اصبح الضمان هو الشاحنة نفسها وعندما انهار قطاع النقل لم تجد البنوك إلا شاحنات خربة ؟ كان مقبولا ان تمنح ولاية الخرطوم عقود امتياز لشركات نقل من القطاع الخاص لتعمل على خطوط معينة داخل الخرطوم وتطالبها برسوم محددة وتلزمها بمستوى خدمات متفق عليه ،على الأقل وقتها لن تصرف الولاية مبالغ لاستجلاب البصات بل كانت ستحقق ارباحاً من منح امتياز تشغيل الخطوط بالاضافة لما تفرضه من غرامات على الشركات المخالفة للوائح. يبدو للمراقب أن القرار الاقتصادى بعدد من ولايات السودان لا يطرح للمشورة والنقاش وانما يكتفى شخص واحد فقط بتحديد الحاجيات الاقتصاديةونفس هذا الشخص يقرر التنفيذ، والمؤسف ان القطاع الاقتصادى بالحزب الحاكم نفسه مغيب من شورى اتخاذ القرار الاقتصادى، والحاجة للحزب وجماهيره فقط عند اللزوم!.