دائماً ما تجرف الواحد منا ذكريات للماضي لدرجة ترجح كفة تفاصيل الحياة في الماضي على الزمن الحاضر، فحتى آباءنا يتحسرون على أيام زمان ولا يركنون لتطورات الحياة الحالية بشيء من الاهتمام على الرغم من سهولتها، وكذلك نحن شباب القرن الحادي والعشرين تجرفنا ذكريات عتيقة لماضي الطفولة لدرجة تجعل الدموع تهطل مدراراً حزناً على ذهاب تلك الأيام البريئة الجميلة الخالية من الهموم والأطماع، ولا أدري ما الذي يجعلنا نركن للماضي بهذه الحميمية المؤثرة لدرجة تجعلنا نشفق على الحاضر من الضياع، فهل تبدل إيقاع الزمن وازدادت قسوته علينا لنمقته بهذه الصورة؟ أم تحولت قيمنا الإنسانية لمسخ جراء تعاملاتنا اليومية، فكل شيء أصبح يدور للخلف بسرعة متناهية، ولا يفوتني أن أذكر حنين جدي «محمد يوسف» الذي توفي قبل سبع سنوات عن عمر يناهز التسعين عاماً للماضي فكان يذكر ذلك الزمن بشيء من القداسة مع ان كل حكاويه تدلل على أنه زمن قاسٍ بمقاييسنا اليومية، ولكنه كان محقاً ربما لبساطة الحياة وخلوها من الشوائب التي تعكر صفوها، نعم لا أذيع سراً إن قلت إنني أتذكر ما قبل دخولي للمدرسة وحتى تفاصيل دخولي الصف الأول أتذكرها وكأنها أمس بل حتى الرقم «4» كيف كنت أكتبه بالصف الأول، هكذا كنت أكتبه «E» ولكني لم أتذكر أقولها صدقاً أشياء مهمة حدثت لي هذا العام، ولا أدري إن كان هذا من قسوة الزمن بنا أم من فعل تعاملنا مع مجرياته بشيء من الواقعية، ولم نسبح مع تياره الجارف الذي لا يعترف بالقيم، ويبدو أنني لست وحدي يدفعني حنين جارف للماضي، فعندما سألت مجموعة عشوائية من الناس بمختلف الشرائح العمرية والنوعية، فكان لسان حالهم يقول: ألا ليت الماضي يعود يوماً، واختم برائعة الفنان العذب عثمان الشفيع: الذكريات صادقة وجميلة..