تباينت ردود الفعل على مؤشرات نتائج القيد الصحفي ، بين خائف ومشفق ومطالب باجراءات فورية تستهدف تحسين سمعة ومكانة ومستوى التحصيل في كليات الاعلام . وتباينت ردود الفعل أيضا في تحليل أسباب المشكلة والسبل الكفيلة بمعالجتها ، وتنوعت الأفكار في تقييم حجم المشكلة بين من راى فيها نهاية جيل صحفي بكامله ، وآخرين اعتبروها مجرد ظاهرة عابرة يمكن معالجتها خلال عام دراسي واحد او عامين على الأكثر . وفي مجمل الحال لم يختلف من كتبوا في تحليل مؤشرات نتائج القيد الصحفي على وجود مشكلة عميقة الجذور كارثية التأثير ووخيمة النتائج ، فالدكتور عثمان خيري استاذ الاقتصاد بجامعة ميسوري سابقا والاستاذ بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم حاليا يرى ان النتيجة كارثية وانها تهدد حلمنا الديمقراطي من اساسه ، فالديمقراطية بمفهوها البسيط في تمكين الشعب من حكم نفسه تتطلب مؤسسات لممارسة السلطة تتمثل في احزاب قوية وصحافة حرة ومؤهلة وشيوع ثقافة الحوار والسلام والعدالة الاجتماعية ،ووفقا لرؤية الدكتور عثمان خيري فان ضعف التأهيل الصحفي يهدد التحول الديمقراطي نفسه . وانه لا مجال لصحافة حرة ونزيهة ومؤهلة وتقوم بدورها في الرقابة وتقويم المجتمع وهي تفتقر الى أدنى مقومات القوامة على المجتمع وهي أهلية الاحتراف المهني. وتلقيت رسالة من الاستاذ احمد كمال الدين ، وهو من الاعلاميين الاوائل الذين اشرفوا على قانون تنظيم مهنة الاعلام ، وكان ممن وضعوا الامتحان الاول لمنح القيد الصحفي مطلع تسعينيات القرن الماضي ، ويقول الاستاذ كمال الدين : طالعت مقالك المفزع ، عن نتائج امتحانات القيد الصحفي ، نسأل الله السلامة ، و أذكر بعد انتهاء الامتحان الأول الذي وضعناه في السنة التالية لوضع قانون الصحافة الأول في عهد الانقاذ لاحظت تدني مستوى خريجي كليات الاعلام فجمعت هذه المعلومات ونظمتها وأعددت تقريرا مصاحبا حملته بنفسي ودخلت به على البروفيسور إبراهيم أحمد عمر - وكانت بيننا صداقة خاصة، نشأت خارج السودان - وقلت له: هذه المعلومات اقتضى تسليمها لك الأمانة الوطنية .. هذا دليل على عدم كفاءة هذه الكليات التي امتلأت بها الطرقات و الأزقة في طول البلاد و عرضها كانت المعلومات دقيقة ودامغة .. سكت طويلا .. ولا أظنه تناول طعام افطاره في ذلك اليوم . وما ورد كان بالضبط ما حدث .. حيث سلمت الوزير هذه المعلومات مع التعليق الشفهي عليها داخل مكتبه ولم أسمع بأي قرار أو أي تدبير وزاري أو إداري بشأن مستوى كليات الاعلام بالسودان وكنت أشعر بأن من واجبي كرئيس للجنة تسجيل الصحافيين أو لجنة قيد الصحافيين كما هو شائع، وصاحب فكرة امتحان تنظيم مهنة الصحافة، أن أبلغ الجهات المعنية بالتعليم العالي كل ما يثبت بين يدي من وقائع وبيانات تهم المجمتع وبالنسبة لتفوق خريجي الكليات الأخرى على خريجي الاعلام في امتحان الصحافة أعتقد أن السبب هو في شروط الدخول لهذه الكليات الاعلامية حيث ترتفع نسب التنافس على الكليات الأخرى و في النهاية يلجأ اليائسون منها إلى كليات الاعلام .. والتي تقوم بتخفيض شروط القبول حتى تجد أكبر عددا من دافعي الرسوم .. تلك هي المحنة في تقديري .. انتهى حديث الاستاذ احمد كمال الدين ،واتفق معه في الجانب المتعلق باهلية الكليات الجامعية الجديدة ، وامضي لاكثر من ذلك لاقف عند حديث الدكتور محمود قلندر استاذ الاتصال بجامعة قطر ، وهو يرى بان كليات الاعلام بحاجة الى مؤتمر لمناقشة سياسات القبول والمناهج ، وتحديد الخطط والاهداف والاستراتيجيات ، بجانب التنوع في مخرجات التعليم بمعنى ان تتخصص الكليات في شعاب الاعلام المختلفة لا ان تعكف جميعها على تدريس منهج واحد تغرق به سوق العمل لما لذلك من انعكاسات سالبة على العملية التعليمية برمتها . وذهب آخرون من عامة المعلقين على القضية بان الكليات الجامعية بلا استثناء صارت لا تهتم بالنوع ويقضي طلابها الساعات الطوال بالكافتريات يتبادلون الحديث مع زملائهم وزميلاتهم دون ادنى احساس بالمسؤولية والواجب ، وتلك قضية اخرى تحتاج الى دراسة اجتماعية مستفيضة تتعلق بالساعات التي يقضيها الطالب الجامعي في السودان في المكتبة وتلك التي يقضيها في المعامل وكم من الساعات تبقى له للترويح والمذاكرة وممارسة الانشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية الاخرى ، ولا اشك مطلقا في ان دراسة مثل هذه ستكشف الوجه الكارثي الآخر للمحنة . ولا اكشف سرا ان قلت ان المناهج التعليمية في السودان تحتاج الى تغيير جذري لتواكب ما يدور في العالم من حولنا ، لان فلسفة التعليم قد تبدلت من التلقين والاستذكار وشحذ المعلومات الى التفكير النقدي والتحليل وتفسير النتائج . وتراجعت مكانة المعارف الاجتماعية ليس لعدم اهميتها ولكن لانها اصبحت من المعطيات البديهية التي تتوافر في كل قواعد المعلومات ولم تعد بالتالي علما حقيقيا تشد له الرحال حتى ولو الى الصين . وليس قدحا في اطروحات الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراة الا ان فلسفتها في الجامعات السودانية اصبحت من تاريخ العلوم في الجامعات الاوروبية فهي عبارة عن حشد معلوماتي لا يحمل جديدا ولا يضف اكتشافا او يلغي مسلمة تعارف عليها الناس . والحال هكذا يبقى تدخل وزارة التعليم العالمي ومجالس امناء الجامعات واتحاد اساتذة الجامعات في معالجة هذه الازمة واجباً لا يقبل التأجيل .