كان الفارابى فى معرفته سابقاً لزمانه... فقد كان المعلّم الثانى والموسوعى المعرفى بالعلوم الموسيقيّة... لذلك يمكن الإعتماد على معاييره فيمن يغنى وإلى متى يغنّى... مِن أقواله المهمّة عن المغنّين أنّ أقبح الغناء هو الذى يخرج مِن بين شارب ولحية شيخٍ مسن! أعرف أنّ ما أود قوله يقودنى للّعب بجانب النار وقريباّ من اللهب, وأنّ ما أدعو إليه ربما يُقَابل من البعض برمى الجمرات... ولكنّنى سأقوله, ولو كان رد القول أعنف من القول! سعياً لحفظ الوقار فى حدّه الادنى وبحثا عن الإحتفاظ بالصورة الجماهيريّة للفنّانين (الكبار), فإنّنى أدعو كل الفنانين الذين تجاوزوا السبعين عاماً أن يقلعوا عن الغناء والصعود على المسرح احتراماً لإنتاجهم الغزير الذى قدّموه فى أنضر أطوار أعمارهم... وإحتراماً لحركة الحياة وقانون الإحلال والإبدال, ولأنّ الفنان لا يستطيع أن يقدّم الإبداع الغنائى طوال عمره, فالحنجرة مهما قويت فلها عمر إفتراضى وتاريخ صلاحيّة... ولذلك فهذه الدعوة تجرى على كل الفنّانين السودانيين الذين تجاوزوا السبعين عاماً وهو نداء يراعى سن التقاعد الفنّى, فهذه قبل ان تكون سُنّة الحياة فهى سُنّة الفن الغنائى! دعوتى للإعتزال والتوقف الفورى عن الغناء فوق المسرح أو تحته أو الإنخراط فى الحفلات العامة الخيريّة منها والتجاريّة تقوم على إحترام هؤلاء الفنانين قبل إحترام المستمعين إليهم... وإحترام عطائهم وتاريخه, وإفساح المجال للقادمين الجدد فى أن يمدّوا أرجلهم وقبل ذلك يمدّوا حناجرهم! دعوتى (من الاعماق) لفنّانى الماضى بألّا يكونوا فنانى (الماضى والحاضر)... لا تستثنى فنانّاً غنّى للطير الطاير: للطير المهاجر أو لطائر الهوى أو للطير الخدارى ولطير الرهو... تشمل العندليب, ومن وقع فريسة لعيون الصيد أو وقع أسيراً للغرام, ولمن اعترف فطلب من محبوبه بأن يراعى عامل السن, ولمَن ْ أمتعَ بغناء الجاز فى الليل الهادى, لكنّ جازه اليوم يخرج من بين شاربٍ ولحية! هذه دعوة لمن تجاوز السبعين بألّا يخشى على أغنياته فهى محفوظة فى وجداننا... فليهبط عن منصّة الغناء قبل أن يسمع من الجمهور: خلاص كِبرتَ وليك خمسة وسبعين سنة!!