سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ترسيم الحدود ليس (فرض وجوب) لقيام الدول .. العسكريون أثبتوا مسؤولية لم يتوافر مثلها للسياسيين وأنا افضل دائماً أن أكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة .. القيادات السودانية مصابة بشهوة إصلاح الكون الراي العام مع د. منصور خالد في حوار (غير) (2)
من المناسب أن نستلف من القاموس التعبيري الثري للدكتور منصور خالد المفكر الحصيف والسياسي الضليع والقيادي بالحركة الشعبية، كلمة (غير)، لنقول إنّ الحوار مع رجل في قامته الفكرية والسياسية حول قضايا السودان الحالية (غير). سمع الناس لكثيرين تحدّثوا في شأن الاستفتاء، وفي أمر العلاقة بين الشمال والجنوب، وفي مستقبل السودان موحداً أو منقسماً، وحول ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وبجانب ذلك أريق مداد كثير من آخرين حول ذات المواضيع.. ومع هذا فإنّ الناس ما زالوا ينتظرون فرادة آراء د. منصور خالد، حول هذه القضايا المنبهمة، وحول أشياء تتعلّق بخصيصة نفسه ومستقبله السياسي، حاولت «الرأي العام» أن تستجلي من د. منصور خالد معالم الطريق كما يراها. ....... * هناك حديث من بعض قادة الحركة بأن الاستفتاء يمكن أن يتم قبل ترسيم الحدود، هل يمكن أن تقوم أي دولة دون ترسيم حدودها؟ - ترسيم الحدود الآن يسهل الأمور لأنها حدود إدارية، وقد تتعقّد إن أصبح ترسيم الحدود بعد الإنفصال - إن وقع - لأنها ستصبح حدوداً دولية. مع ذلك ترسيم الحدود ليس هو فرض وجوب لقيام الدول، فحتى هذه اللحظة هناك قضايا تتعلّق بحدود السودان مع جيرته في الشمال والشرق والجنوب. ولم يقدح هذا في إستقلاله ووحدة أراضيه وسيادته عليها. هذا وعلى أي فقد فرغ الطرفان من ترسيم جزءٍ كبيرٍ من الحدود وبقيت مناطق بسيطة يمكن الفراغ منها قبل الاستفتاء. الجدل حول الحدود - خاصةً على صفحات الصحف - ينم عن جهل بالامور والإستخفاف بها وفقدان المسؤولية في الإقتراب منها. إتفاقية السلام الشامل ومن قبلها المادة الثالثة من إتفاق أديس أبابا حكمت بأن الحدود بين الشمال والجنوب هي الحدود الإدارية التي كانت عليه المديريات في 1 / 1 / 1956م. بهذا تصبح كل تحركات الجماعات المتساكنة على الحدود شمالاً أو جنوباً بعد ذلك التاريخ أمراً غير ذي موضوع. بنفس القدر تصبح كل التعديلات الإدارية التي تمت قبل 1 / 1 / 1956م هي الأخرى غير ذات موضوع. مثلاً، بعض القبائل التي تعيش في منطقة جنوب النيل الأزرق تمثل إمتداداً لقبائل جنوبية في أعالي النيل. وفي النيل الأزرق في العام 1953م أضيف مركز الكرمك إلى مديرية النيل الأزرق وأصبح بذلك جزءاً من الشمال لا يملك الجنوب إدعاء عليه بموجب وجود قبائل نوبية الأصل فيه. من ناحية أخرى، وقعت تعديلات إدارية لها مبرراتها بعد 1 / 1 / 1956م على حدود الشمال - الجنوب في أعالي النيل (كاكا التجارية) وفي بحر الغزال (حفرة الناس)، وفي ولاية الوحدة (هيجليج). دون إخلال بالمعيار الأساس للحدود (حدود 1 / 1 / 1956م) لن يصعب على المتفاوضين، لو تركهم المتوغلون والمشاغبون في حالهم، من إيجاد حلول للمشاكل الإدارية الناجمة عن التعديلات الإدارية التي وقعت في تلك المناطق بعد 1 / 1 / 1956م. تماماً كما ظل الناظر المكي عساكر والناظر كمبال ورث الشلك يعالجونها كل عام في اجتماعاتهم الدورية. وإلاّ فلا خير في علم لا ينفع. * الشريكان يحاولان ألاّ يتأذى الناس من تبعات الاستفتاء، لكن الخبراء الاقتصاديين وخبراء المياه يتحدّثون عن أنّ للانفصال نتائج مُؤثِّرة على حياة الناس في الشمال والجنوب، فَضْلاً عن النفط؟ - السؤال يفترض أن الطرفين يتحدثان عن شئ، والخبراء يتحدثون عن شئ آخر. النتائج المؤثِّرة التي يتحدّث عنها الخبراء هي التبعات التي يسعى الطرفان لمعالجتها كان ذلك فيما يتعلّق بالنفط أو المياه أو النقد أو التعاون الإقتصادي. * إصرار الإدارة الأمريكية على ضرورة إجراء الاستفتاء في موعده المحدد، هل هناك إحساس بأن الحكومة تماطل في إجرائه رغم أنها أعلنت التزامها به؟ - إحساس لدى مَن؟ الإلتزام بقيام الإستفتاء في موعده صدر من الطرفين وظلا يؤكدانه على أعلى المستويات. * هل تتوقّع أن يكون استفتاءً نظيفاً؟ - يجب أن يكون نظيفاً، هناك رقابة دولية، وحماية أمنية، ومفوضية مستقلة. * أقصد هل ستكون هناك (كلفتة) ودمج لمراحل العملية؟ - بعد كل هذه الضمانات، تعبير (كلفتة) تعبير غير مناسب. والقرارات العملية تتخذها المفوضية التي يشترك فيها الطرفان، وعلى رأسها رجل رشيد. * هل تعتقد أن الشريكين يمكن أن يصلا لحل وفاقي في أبيي ولمن تتبع تاريخياً؟ - هذا من نوع الأسئلة المتفجِّرة. نحن نسعى لحل لهذه المشكلة وأنا أفضِّل دوماً أن أكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة. كل ما أقول هناك أُطر لابد من العمل من خلالها: إتفاقية السلام، الدستور، نتيجة التحكيم الذي إرتضاه الطرفان. * هل ستفرغون من مناقشة القضايا العالقة قبل التاسع من يناير؟ - هذا ما ينبغي على الطرفين فعله. * الحديث عن حشود للجيش الشعبي في الحدود، ماذا تستهدف هذه الحشود؟ - دعني أقول لقد أثبت القادة العسكريون في الجيشين قدراً من المسؤولية لم يتوافر مثله عند السياسيين. لا يوجد في العالم كله جيشان في دولة واحدة، مع ذلك لم يحدث خلال السنوات الماضية أن اعتدى أحدهما على الآخر، أو تحرّش أحدهما بالآخر، بل ظَلا يتداولان في إمورهما المشتركة بصورة دورية في مجلس الدفاع المشترك الذي يسعدني ويُؤسفني في نفس الوقت أن أقول إنه كان أكثر ضبطاً لمواعيد ودورية اجتماعاته من مؤسسة الرئاسة. وكل الأحداث التي وقعت كانت نتيجة تصرفات سياسية حاول فيها البعض استخدام الجيش. * يلاحظ كثرة الزيارات الخارجية للسودان، الكثير من الناس يتحدّثون عن نصائح قدمت للحركة بتأجيل الاستفتاء؟ - من هم هؤلاء الكثير؟ إن كان هناك من شارك في اللقاءات فالخبر عنده، وإن كنت أنا من بين من شارك فلا تنتظر مني الإفضاء لك بما دار في اجتماع سري. * هل واجهت الحركة الشعبية مصاعب لقيام الاستفتاء؟ - ليست هناك مصاعب، والقانون ينص على أنّه إنْ وقعت ظروف قاهرة يمكن التأجيل لمدة معينة. * هناك حديث عن نشر قوات دولية على الحدود، وأنت القانوني الضليع، هل يمكن نشر قوات دولية دون موافقة الدولة المعنية، وهل يمنع وجود هذه القوات الحرب؟ - مثل هذا الحديث سببه المخاوف، ومعالجته لا تتحقق إلاّ بإزالة تلك المخاوف مما يجعل من السؤال عن القوات الدولية سؤلاً بلا معني. * ماذا يشغل د. منصور هذه الأيام؟ - أقرأ وأقتني الصور وأكتب كتاباً. * ما موضوعه؟ - عن الاتفاقية، وهو بالإنجليزية، وفيه قراءة لشخصية قرنق ودوره في الحرب والسلام. * عطفاً على موضوع قرنق، هل تعتقد أنّ انفصال الجنوب خيانة لفكرة قرنق حول السودان الجديد؟ - رؤية قرنق في جوهرها هي دعوة للوحدة مع التنوع مما يفترض الإعتراف بالتنوع كعنصر إثراء للوطن، وهو تنوع ذو صنوف. وكما قلت قبل قليل لن تتحقّق الوحدة إن أضعفنا الجوامع وعظمنا الفروق. لهذا فإنّ الجنوب نفسه بتصدعاته الأفقية والرأسية في حاجة لفكر قرنق لو ذهب للانفصال. قرنق هو المفكِّر الوحيد الذي تمكّن عبر رؤيته الجامعة ضم شعوب الجنوب تحت راية واحدة وقيادة واحدة وهدف واحد. أمّا على مستوى الوطن أرى شية من نفاق أو كلمة حق أريد بها باطل في حديث الذين يقولون: «لو كان قرنق حيّاً لما حدث ما حدث». كل من يسأل هذا السؤال عليه أن يجيب على سؤال آخر: أين كان هو من أطروحات قرنق يوم أن كان يمد يده بلا إستثناء لكل القوى السياسية؟. بإتفاق السلام أفلح قرنق في الإتفاق مع المؤتمر على إقامة نظام ذي ثلاث شُعب: الشعبة الأولى رد الظلامات التاريخية لا للجنوب وحده بتمكينه من حكم نفسه حكماً ذاتياً لم يسبقه إليه أحد، وإنما أيضاً تمكينه لأطراف السودان من الحظوة بحكم لا مركزي غير مسبوق وتوزيع للثروة على كل الولايات بصورة لم يسبقه إليها أحد. الشعبة الثانية هي منح الجنوب حق تقرير المصير وهو ما نتمارى فيه اليوم «فبأي آلاء ربك تتمارى». أما الشعبة الثالثة فهي التحول الديموقراطي، والذي يمثل الركن الحصين لإستدامة السلام، وتوطيد قواعد الوحدة، وإستقامة الأمور وإستقرارها في كل السودان بتمكين كل القوى السياسية من التباري الحر. هناك من ظن أن قرنق - النائب الأول لرئيس الجمهوية - هو نفسه قرنق قائد قوات التجمع في أسمرا والقائد العام للجيش الشعبي وما عليه إلا أن يمضي معهم لإقتلاع النظام من جذوره. هذا الظن أبطولة أسميتها ذات مرة معارك الآخرين وهو حديث إقتلع أكثر من مرة من الإطار الذي جاء فيه، خاصةً من القناصة الذين يتمنون إسقاط النظام بالريموت كنترول عبر المقالات الإسفيرية. وهناك من حسب بعد رحيل قرنق أن الأمور يمكن أن تعود الى ما كانت عليه قبل الإتفاق وتلك اغلوظة ندفع اليوم ثمنها. نجاح الإتفاقية كله يعتمد على إدراك حقيقتين: الأولى هي أنّ الإتفاقية لم تهدف لإقصاء حزب أو جماعة وإنما لإستيعاب كل السودانيين. والثانية هي أنّ السودان مِلك لأهله أجمعين: فلا هو مِلك للحركة، ولا مِلك للمؤتمر، ولا مِلك لمن يحسبون أنهم أصحاب حق وراثي في التسيد عليه. السودان أكبر من أي حزب مهما غلب. بهذا الفهم فإنّ كان في الإنفصال خيانة فهي ليست خيانة لفكر قرنق، وإنما هي خيانة للفطانة والفطرة السليمة التي لا يميِّز الناس الحق من الباطل إلاّ بها. إن إدركنا هذه البديهيات وأزلنا كل العقبات التي تعتور الطريق بعد الإستفتاء تصبح هناك إمكانية لتوحد الشقين وضع أسس لتعاون وثيق قد يفضي بنا إلى وحدة من نوع آخر. * هل أنت مع إمكانية الوحدة بعد الانفصال؟ - أنا لست بوحدوي رومانسي، قلت إن الوحدة التي أدعو لها هي وحدة وجودية تفرضها مصالح. ولهذا مآل الطرفين إلى نوع من التوحد، إذ كيف يمكن لأيِّ عاقل أن ينكر إمكانية هذا التوحد، في الشمال كان أو في الجنوب. فالجنوبي الذي يدعو للتكامل الإقتصادي الأفريقي الذي يمتد من جنوب أفريقيا إلى الجزائر لا يستطيع تجاوز شمال السودان إلاّ إن ظن أنّ الوصول إلى شمال القارة يمكن أن يتم عبر طريق مُعَلق في السماء. والشمالي الذي يريد أن ينعم بما توفره الكوميسا للشمال مجتازاً الجنوب فلن يتيسّر له ذلك إلاّ إن ظن أنّ في مقدوره أن يعبر الجنوب إلى شرق أفريقيا وجنوبها بنفق تحت الأرض. كل هذا حديث ينمم عن جهالة، وغي لا يوفي بأهله إلا إلى هلاك. * لاحظنا في الفترة الأخيرة أن للفريق سلفاكير وجهتي نظر، إحداهما يقولها في الجنوب وأمريكا، وأخرى يقولها في الخرطوم؟ - أنا لا أعرف سلفاكير من خلال أجهزة الإعلام، أعرفه جيداً خلال ممارسة دامت ربع قرن من الزمان. أعرف عنه التصالح مع نفسه، وأعرف عنه الحرص على السلام فلا يبادر إلى الحروب إلاّ الذين لم يكتووا بنارها. كما أعرف جيداً ما يقوله هنا وهناك ولا ألتفت إلى تصريحات تقول: ذكرت الوكالات، جاء في الوكالات، نما إلينا. كل هذه مقدمات لأكاذيب أصبح تكرارها يبعث على الغثيان ويدعو للشفقة والرثاء على ناشريها. * قال سلفاكير إنّه سيصوِّت للانفصال، وقال دينق ألور إنه لن يصوِّت أصلاً؟ - قول سلفا ردّدت عليه، وقول دينق ألور هو الأجدر بتبيانه. * تحدثت عن دخول الشماليين حتى ملكال، والمسيرية يريدون أن يطمئنوا لحقوقهم في الرعي؟ - استمرار الحقوق التاريخية مكتوب في الاتفاقية، بل يقضي به القانون الطبيعي. * الاتفاقية ستنتهي إذا تم انفصال، هل الحركة ملزمة بالحقوق التاريخية في الرعي؟ - طبعاً ملزمة، طالما أن كل الحقوق التي تستمتع بها اليوم بما فيها الاستفتاء وحق تقرير المصير مصدرها الاتفاقية. * حتى وإن أتت حكومة جديدة في الجنوب؟ - نعم، إنتهاء الدستور المؤقت لا يلغي الإتفاقية. * لماذا تغيّبت عن اجتماعات واشنطن؟ - من الذي إفترض أن أكون في واشنطن؟ ولماذا لم تبلغني بذلك في الوقت المناسب حتى لا أرتحل إلى لندن للقاءٍ مع طبيبي. * كثير من المحللين يعتقدون أن الحركة اتخذت خطوة ذكية في مؤتمر الحوار الجنوبي- الجنوبي، هل تتوقّع أن تستمر النخب السياسية والعسكرية الجنوبية على حالة الهدنة والتصالح مع الحركة؟ - أتمنى أن يحدث ذلك، وهذا ما التزمت به. وما التزمت، به ليس هدنة بل وفاقاً طويل الأمد. ولكن طالما رأيتم أن ما فعله سلفا خطوة ذكية تتمنون أن لا تجهض، فلماذا لا تدعون لحركة نظيرة تعم السودان كله يقودها الرئيس البشير؟ * البعض يعتقد أنّ تشكيل حكومة مُوسّعة برئاسة سلفا كير قد يقود لهضم بعض حقوق الأحزاب والشخصيات وقد تثور؟ - لا أظن أنّ سلفا كير الذي سعى للتصالح مع الذين حملوا ضده السلاح حتى يكون في الجنوب أمن واستقرار سيهضم حق أحد. وإذا هضم حق أحد فله أن يثور. * ألا تعتقد أن الانفصال له مشاكل كبرى وكذلك الوحدة؟ - لأنّ كليهما يحمل في طياته تغييراً جذرياً. فالوحدة لن تَكون هي التي ظلّت القوى السياسية الشمالية تتمنى أن تكون وتصر عليها. ولن تكون مثل تلك التي جاءت بها إتفاقية السلام بتنفيذها القاصر لأنّها لو اكتملت كما أريد لها لتغيّر وجه الحياة العامة على المستوى القومي: الخدمة العامة، المؤسسات القومية. ذلك قالت به الإتفاقية ولم يجد حظه من التنفيذ. أما تبعات الإنفصال فواضحة. * خاصة بالنسبة للجنوب؟ - بالنسبة للجنوب وبالنسبة للشمال. * الشمال دولته لا تعتمد بصورة كبيرة على الجنوب؟ - الجنوب كان ميدان حرب ولهذا من العسير الحديث عن إستغلال موارده أو عن الدور الذي كان يمكن أن تلعبه تلك الموارد في تنمية القطر. على أن موارد الجنوب ليست هي البترول، ومن المؤسي حقاً أن يصبح هذا المورد الناضب أساساً لتنمية قطر غني في الشمال والجنوب بالموارد المتجددة. * إستغلال هذه الموارد يحتاج لزمن؟ - ماليزيا بُنيت في وقت قصير، وبموارد أقل بكثير من موارد السودان. فقط السودان بحاجة للقائد الذي يُفكِّر بعيداً وقدمه ثابت في الأرض. قلت ذات مرة أن قيادات السودان أصابتها شهوة إصلاح الكون تريد أن توحد العرب. وتريد أن توحد المسلمين. وتريد أن توحد أهل القبلتين. وتريد أن تقضي قضاءً مبرماً على دول الإستكبار. الأحرى بنا أن نوحد أهل السودان، ونقضي قضاءً مبرماً على الملاريا والكلازار. في هذه الرديكالية الحمقاء كنا بُرعاء، الصوت داوٍ، والأقدام ثابتة ولكنها ثابتة في الهواء. النتيجة هي ما نعرف. ما نريد أبسط بكثير من هذا. نريد كما ظللت أقول التعليم، فالتعليم ثم التعليم. فماليزيا بناها مهاتير محمد ببناء الإنسان: التعليم المهني؟ التعليم الأكاديمي، تدريب الكوادر الوسيطة؛ التوسع في علوم الحاسوب وتجسير الفجوة الرقمية. لو منحنا أنفسنا إجازة قصيرة من مهمة إصلاح الكون لا نصلح حالنا. * ما هو أهم تحدٍ يواجه دولة الجنوب إذا قامت؟ - العناية بالإنسان. * ألا تعتقد أن علاقتها بالشمال من ضمن التحديات؟ - يمكن أن تكون العلاقات مع الشمال في منتهى السلاسة، وربما تكون هذه أخف مشكلة إذا وضعت أُسس سليمة للتعاون. * الحركة سلحت الجيش الشعبي منذ وقت مبكر بأسلحة هجومية، لمن يعد هذا التسليح؟ يا صديقي في أي حوار لكيما يكون الحوار عقلانياً لابد من أمرين: ضبط المصطلح، وإقامة الحجة على الأمور بدليل وبرهان. فما الذي تعنيه ببدء التسلح من زمان مبكر، وما الذي تعنيه بالأسلحة الهجومية؟ إتفاقية السلام نصت على أن تتولى حكومة جنوب السودان ويسهم شركاء في التنمية إعداد الجيش مهنياً وتسليحه، وهذا ما بدأته في وقت مبكر. إن كنا حقاً نحرص على الوحدة علينا أن لا نعكر الأجواء بافتعال معارك أو نشر أكاذيب لا أشك لحظة واحدة في أن ناشريها لا يبتغون سلاماً ولا وحدة. - أسلحة هجومية مثل ماذا... * صواريخ وغيرها؟ - من أين تأتي الصواريخ، ومن يبيعها، وعلى من تطلق؟ * إذا حدث انفصال، من الذي يتحمّل هذه الخطيئة؟ - تتحمّلها كل القوى السياسية التي جلست في البرلمان واتخذت قرار الاستقلال، وكان لديهم خيار أن يصبح السودان دولة فيدرالية موحدة لكنهم رفضوا، وكل ما حدث فيما بعد هو تداعيات لهذا القرار. * منطقة جنوب النيل الأزرق ومنطقة جنوب كردفان، أقرّت فيها الاتفاقية مشورة شعبية، هناك من يتخوّف من تتوسع مطالبها إذا انفصل الجنوب؟ - المشورة الشعبية تتيح لأهل المنطقتين التعبير عن رأيهم فيما إذا كانت الاتفاقية قد لبّت مطالبهم أم لا، وإن كانت هناك ضرورة لتحسين فيها تتم التحسينات وفق الإتفاقية الدستور. * إذا حدث إخفاق في تطبيق المشورة هل يمكن أن يحدث في هذه المناطق ما حصل للجنوب؟ - مُقارنةً هذه الحركات بدارفور أقرب لأنّ الأبواب في حالتها مشرعة على كل الاحتمالات، أما في حالة المنطقتين فالأمر محكوم بما أقرته الاتفاقية. * هناك حديث عن وجود مناوي وحركات دارفور في الجنوب، وتدريب قوات الحركات؟ - الحركة لا تعيش في أفغانستان بل تعيش في السودان، والحزب الحاكم في الجنوب جزء من حكومة الوحدة الوطنية. ورئيس حكومته هو النائب الأول لرئيس الجمهورية. لهذه الأسباب مُجتمعةً لابد للحركة أن تعنى بما يدور في دارفور. في الماضي دعمت الحركة داؤود بولاد، ودعمت مني وعبد الواحد وقدّمتهما للتجمع الوطني. ولو أرادت أن تعيد الكرة اليوم ففي مقدورها أن تفعل ذلك شريطة دفع ثمن باهظ: إعلان الحرب على الدولة التي هي جزء منها، مجابهة الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن اللذين يعملان على إرساء قواعد السلام في دارفور. لا الحركة ولا قادتها بهذا القدر من الاستهتار. مع ذلك للحركة دور في التوفيق بين الجماعات الدارفورية حتى تتحدث بصوت واحد. ومن الواضح أن واحدة من مشاكل التفاوض اليوم هي تباين وجهات النظر بين الحركات نفسها. نواصل