من الصعوبة في السودان التمييز بين ذوي الأصول العربية والافريقية وصاحبنا هذا من النوع الذي يحمل تلك السمات المشتركة المائلة للافريقية رغماً عن تمشدقه بأنه من أصول عربية وقد أوقعته تلك السمات في مشكلة كبيرة بعد وفاة القائد جون قرنق حيث صادف وجوده بسوق أمدرمان الكبير لحظة إعلان وفاة جون قرنق فتعرض باعتباره شمالياً للكثير من الضرب والسب والمضايقات من قبل الجنوبيين المنفعلين بوفاة قائدهم. وبعد يوم طويل حافل عاد صاحبنا الى بيته منهك القوى من أثر المطاردات التي تعرض لها من قبل الجنوبيين عبر أزقة وحواري أمدرمان المجاورة للسوق الكبير، وفور دخوله منزله سألته أمه «مالك يا ولدي» فرد قائلاً «سكوني الجنوبيين يا حاجة» وهو يشجب ويدين ما حدث له من قبل اخوته الجنوبيين ويختم عباراته «بعملو كده ليه؟ أصلو جون قرنق ده كتلتوا أنا؟ ما يشوفو الكتلو منو»، وفي صبيحة الثلاثاء استيقظ صاحبنا على أصوات عالية آتية من الشارع تحض الناس على الخروج والانتقام من الجنوبيين فما كان منه إلا أن أخذ عصاه وخرج للشارع وأوقف أول ركشة وركب فيها قائلاً لسائقها: «سوق أمدرمان لو سمحت» وبسوق أمدرمان نزل عند أول تجمع للشماليين رغبة منه في الإنضمام اليهم وتقدم نحوهم مشحوناً برغبة الانتقام والتشفي من الجنوبيين ولكن حدث ما لم يكن في حسبانه إذ أنه وبمجرد ان رآه احد أفراد التجمع صاح في الباقين وهو يشير بأصبعه الى صاحبنا «يا هو ده واحد يالله عليهو نكسرو» وهب الجميع جرياً نحوه لضربه وهنا فقط أدرك صاحبنا عظم الموقف الذي أوقعه فيه شكله إذ اعتقد الجميع انه جنوبي وما كان منه إلا أن اتخذ قراراً سريعاً بالهروب وأطلق ساقيه للريح قاصداً منزله بذات الطريق الذي طارده به الجنوبيون بالأمس، وبمجرد دخوله الى منزله سألته أمه «مالك يا ولدي الحصل ليك شنو» رد عليها متعجباً: «تتصوري سكوني أولاد العرب يا حاجة».. وتوجه في اليوم التالي الى مكتب المحامي يطلب منه فتح بلاغ يطالب فيه بتعويض من الفئتين.. وبالطبع بلاغ كهذا لابد ان يبقى مجمداً لأنه لابد أن صاحبه سينساه عندما تبرأ كدماته ويفارقه الذعر.