= كل الاتفاقات التي أبرمتها الحركة الشعبية مع القوى السياسية الشمالية قاطبة ودون استثناء أصابت موقّعيها بوصمة الانهزام والخضوع أو الاستسلام أو غيرها من العبارات التي تشير إلى أن الحركة الشعبية شجرة مُحرّمة لا ينبغي الاقتراب منها حتى ولو بدواعي التشذيب وتخضيد الشوك. = حدث هذا للحزب الاتحادي الديمقراطي عندما وقّع زعيمه السيد محمد عثمان الميرغني على اتفاقه الشهير مع جون قرنق في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا (ولأديس أبابا حكاية مع السودان تحتاج للتأمل وهذا ما أنوي فعله في مَقالٍ قَادمٍ). لم يتبيّن الإسلاميون فحوى اتفاق الميرغني - قرنق حتى أوسعوه ذماً، قبل أن يوسعوا صاحبه تشنيعاً وتقريعاً. = وقبل الميرغني جلس المهدي لست ساعات كاملة مع جون قرنق في ذات العاصمة أديس أبابا، وقد تطوع الصادق بالتنازل عن لقبه (رئيس الوزراء) حتى يسمع ماذا يريد قرنق؟.. كان الصادق في ذاك اللقاء يطبق المقولة التالدة لأحد المفكرين الأوروبيين- أظنه فولتير: أنا على استعداد للموت من أجل أن أسمع رأيك، ولكني غير مستعدٍ للاقتناع به. = لم يمت المهدي بالطبع في سبيل السماع لقرنق، لكن قاعدة الاقتراب من الحركة الشعبية سرت عليه مثلما يسري السم في اللديغ، ولأنّه لم يكن هناك مشجب تعلق عليه الإدانة، ولم تتلاقح أفكار الرجلين بصورة تخرج ثمارا تُرمى أو جنينا يُجهض، ولما لم يسفر الاجتماع عن شئ، كال معارضو الصادق له الاتهام حول شكل اللقاء: كيف تقبل بالتنازل عن منصب رئيس الوزراء من أجل أن تجلس إلى جون قرنق؟. = القاعدة سرت أيضاً على المشاركين في ورشة امبو خلال العهد الديمقراطي السابق، وانطبقت على أحزاب التجمع الوطني خلال المعارضة المسلحة للإنقاذ، وانطبقت على الإنقاذ نفسها أو المؤتمر الوطني عندما وقّع اتفاق نيفاشا. = المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي وقّع اتفاقية جنيف الشهيرة فمس الحزب ما مسّه من مصادرة الدور وصحيفة الحزب، وفتح الاتفاق الباب مشرعاً لهز صورة الترابي كما لم تهتز من قبل بفعل الاتفاق مع حركة كان الرجل يعبئ شباب حزبه بل وشباب السودان من أجل الموت أو الاستشهاد في سبيل القضاء عليها، لم تهتز صورة الترابي في عيون كثير من مريديه فقط، بل نال الاعتقال من هيبته أيضاً. = ظن المؤتمر الوطني أنه بمنجاة ? إن هو اقترب من الحركة - وتوهم أنه سيضع النقطة الأخيرة في سفر (الخروج) من لعنة الاتفاقات، ولكن ولأن (لكل شئ آفة من جنسه ** حتى الحديد سَطَا عليه المبرد)، فقد تَصدّى للوطني منبر السلام العادل، واكتفت القوى السياسية الأخرى بالتفرج على الوطني وهو يذوق ما ذاقته ولسان حالها يقول: لا أذود الطير عن شجر** قد بلوت المُر من ثمره = على وقع اتفاق الحريات الاربع، وعلى إيقاع طبول الحرب هذه الأيام، يؤرق السياسيين الشماليين- في سرهم- سؤال محوري: ماذا نفعل للحركة الشعبية..؟