كثيراً ما تلتصق صفة الجنون بالشاعر في الماضي وفي الحاضر فكان مجنون ليلي قيس بن الملوح ومجنون لبنى وما أكثرهم في العصر الحديث. وكلهم شعراء أثروا الساحة بالقلائد من القصائد الخالدة.. هذا المدخل كان تمهيداً للحديث عن قبيلة بأكملها سميت بقبيلة المجانين وتقع هذه القبيلة في ولاية شمال كردفان وهي جزء من قبيلة المسلمية. وقبيلة المجانين سميت بهذا الإسم نسبة للكرم الذي يصل الى حد الجنون ويقال ان الجد الأكبر لأبنائها يدعى أحمد مجنون وكان كريما للدرجة التي يمكن أن يذبح ناقته التي يركبها ليكرم بها ضيفه. وكذلك يتميز أبناء المجانين (أي القبيلة) بالذكاء الحاد ومعظمهم شعراء. كانت (الرأي العام) حضوراً لإحدي الجلسات في أمسية جمعت عدد من شعراء المجانين بمنزل الشيخ الراحل زين العابدين أحمد جديري بالجريف غرب. وكانت هذه المجموعة جاءت بدعوة من التلفزيون القومي لتسجيل حلقة تتعلق بشعر المجانين وفي فترة إنتظارها للتسجيل إستضافها الإستاذ أحمد إبراهيم الطاهر في جلسة بمنزله حضرها الرئيس عمر البشير. فهي مجموعة لا يجالسها أحد ويسمع منها شعر الفراسة والكرم والنسيب إلا وخرجت به من أبواق غابات الأسمنت الى مزمار التبلدي وصهيل الجياد. كانت الجلسة مليئة بمشاركات (مجنونية) تنقلك من رومانسية النسيب الى غبار المعارك ومنها دماء الذبيح من الشياه ورائحة الشواء. وشارك فيها من الشعراء الطيب الشيخ وعمر الشيخ وود نصرالله غير أني عندما جاء دور الشاعر مخضرم حاج الزاكي (مع علمي بأن المخضرم هو الشاعر الذي عاش عصرين مختلفين) ولكن ما جاء به الزاكي من مفردات (دارجية فصحي) خلته قد عاش أكثر من عصرين مختلفين. فعندما أنشد قصائده خرجت أنا (من الشبكة) ولم أفهم سوى القليل مما يقول وكان الجميع من أهل المجانين يصفقون مرة ويضحكون أخرى وأنا لا أفهم فيم يضحكون ولم يصفقون غير أني في آخر الأمر بدأت أجاريهم فيما يفعلون لأوحي اليهم بأني أفهم لأبعد الحرج عن نفسي.