اجتاحني مللٌ سوداوي ٌ هذه الأيامْ و أنا قابعةٌ خلف إطاري الخشبيِ ... بمتحف اللوفرْ فالمرء قد يصيبه ُ الإعياءُ و المللْ لهذا ... أجدني مللتُ حتى من طوفانِ المللِ الزبديِ ... الذي أخذ بأقطار نفسي ! ! ! و من دون ما إنذار ... ! ! ! تبدت في بلورةِ مخيلتيِ وعتمةِ روحي ... فكرةٌ مبهرةُ الإشراقِ تنادي .... :- ( من الممتع حقاً أن تزور متحفاً ... و لكن ....!؟ أن تصير جزءاً من مقتنياته ... فذلك أمر يدعو للغثيان ! ) ! ! # # فأنا ..... محكومةٌ بالعيشِ في سجنِ هذا القصرِ العتيقْ محكومةٌ بحملِ هذه الابتسامةِ الصفراءِ غامضةِ المدلولْ و بالبقاءِ تحت قهرِ اللونِ الزيتيِ الذي ... اهترأت خلف سطوتهِ .. قسماتُ وجهي من الضجرْ لا لشيء ..... ! سوى كوني جيوكندا الفلورنسية 1 بلغز ابتسامتي التي أضحت أكثر شهرةً من مدينتي .... التي أنتمي إليها ! ! ! أتضجر كثيراً هذه الأيامْ .. من بقائي معلقةً على جدرانِ اللوفر و من إجترارِ أحزاني و ذكرياتي الغابرةْ آليتُ على نفسي أن أتخذَ مدونةً لمذكراتي إذ في تسجيلِ وقائعِ أيامي .... ما قد يعينُ على نسيانِ الماضي فمتحفُ اللوفر بمفارقاته التي لا تنتهي ... مكانٌ يثيرُ الرثاءَ و السخريةََ في آن واحد ! ! فبوسعِكَ أن تجد في ردهاتهِ ... ساعة الاسكندر الأعظمْ .... في كاملِ ترقيمها ودقةِ قياسها الزمني ! ! ! غير أنكَ تفشلُ أن تجد فيه قلماً أو قرطاساً .... لتكتب عليه ! ! ملعونةُ .. إذن .. أنت يا باريسُ وملعونٌ متحفكِ سأسجل مذكراتي على خلفيةِ إطارِ صورتي ## تأملوا معي .. ! ! قد سرقتُ قلماً .... من زائرٍ أمريكي ضعيفِ البصرْ ... ألصقَ أنفهُ المحمَر على تنورتي ... و رائحة النبيذِ تفوحُ من شعرهِ الكثِ الأجعدْ أكتب الآن على خلفيةِ إطارِ صورتي .. معاناةَ شخصٍ ذاعت شهرةُ ابتسامته ! ! ! ملحوظة :- وقفت طويلاً وأنا أقرأ قصيدة الشاعر التركي ناظم حكمت التي كتبها عند زيارته لمتحف اللوفر بباريس في الخامس عشر من مارس 1924 م, ولما كانت الفكرة التي فجرت طاقات الشاعر الإبداعية تتسم بشيء من غرابة الموضوع, فقد رأيت ترجمتها إلى العربية من النص الإنجليزي الذي نقلت إليه, علها تنقل بدورها طرفاً من الرؤى الشعرية لذلك الشاعر العملاق الذي مات في منفاه بموسكو عام 1963 م وهو لا يزال ممسكاً يومذاك بجمر قناعاته الفكرية والإبداعية التي عبر عنها بقوله : ( على المرء أن يحقق ذاته عبر قتال لا هوادة فيه ضد خصومه ) وقال بأن الفنان هو مهندس الروح الإنسانية وأن الشعر الحديث هو الشعر الحضري الذي يتسم بتكنيك أكثر تعقيداً مما يجعله مختلفاً عن تكرارية شعر الأرياف وذلك لأنه يمتاحُ من السيمفونيةِ الواسعةِ للمدينةِ لغةً حيةً زاهيةَ الألوان و عميقةَ المدلولْ أنظر كتاب Beyoncl The Walls Selected Poems Translated by Ruth Christie Anuil Press 2002 P.13 1 النسبة راجعة لمدينة فلورنسا الايطالية التي اشتهرت في القرون الوسيطة بثرائها و تجارتها الواسعة الانتشار و أسطولها التجاري الذي تحكم في العديد من مداخل البحر الأبيض المتوسط ومفاصل تجارته. تعرف الجيوكندا أيضاً باسم الموناليزا_ أي سيدة الوديان_ و قد خلدها الفنان العبقري ليوناردو دافنشي بهذه اللوحة التي أصبحت محجة لعشاق فن عصر النهضة الأوروبية.