إستفاق الشاعر الانكليزي الرومانسي كوليردج مضطربا موهون الأنفاس، وبأيدي مرتعشة إستطاع بالكاد أن يمسك بالريشة وانكب جاثيا يكتب ويكتب بلا توقف، يحتلب ذاكرة الحلم ويجهد ليقبض على اطراف رؤيته المنامية قبل ان تنسرب في النسيان. وقد إستطاع كوليردج في تلك الليلة المختلفة ان يدون ما يقارب الخمسين بيتا شعريا في أكمل تمامها البنيوي و الصوتي والدلالي. و ظل كوليردج بعدها يحكي بدهشة بكر كيف ان تلك الرؤية قد شقت طريقها عبر الأضغاث لتطفو على سطح الوعي. و كانت تلك هي قصة قصيدة « قوبلاي خان» الفذة. فهل للقياس الانساني القاصر من تفسير موضوعي يخترق دغل حجب الميتافيزيقيا ليخبرنا كيف تزف قصيدة في أوج أبهتها الإبداعية عبر رؤية منامية؟! وكيف تكونت واحتشدت هناك في غيهب اللاوعي، في طبقة ربما أكثر عمقا وكثافة تستوعب كامل الأفق الإنساني، حيث يتلاحم الفكري والفلسفي والنفسي والروحي و العاطفي و الانفعالي. وفي أمسية شتوية بيضاء هبت ذات الإفاضات الكونية على منخفض المخرج الروسي الارتجالي بارادجانوف. وهو من أهم مبدعي سينما الكولاج الروسية بتوليفاتها الفوضوية_ بما يرادف المعنى التقني والتشكيلي لمفردة كولاج - وغاية الأمر أن بارادجانوف قد كان منشغلا حتى شحمة أذنيه، ومستغرقا حد الارهاق في إعداد فيلم عن الرسام والفنان الروسي الشامل فروب، وفي قرارة ذاته ظل بارادجانوف يهجس بان السيناريو أبتر ينقصه شئ ما ليكتمل و تتصل حلقاته. وبلغ به الإعياء ليلتها ما جعله يرخي قبعته ويغط في نوم هش قلق. فاذا بحلقة السيناريو المفقودة تأتي محمولة على براق رؤية منامية ساطعة. و ظل بارادجانوف تماما ككوليردج يحكي عن ذلك العروج الروحي العجيب في كل محفل. ووجدت تلك الطاقة العربيدة طريقها ,التي لا يعلم مستقبلوها كنه طيها ونشرها، الى كوة وعي الروائي المصري يوسف ادريس، لينتفض من نومه واجفا متعرقا ليدون قصة « لعبة البيت» تامة غير منقوصة. و قد أكدت زوجته رجاء الرفاعي على تلك الحادثة الإستثنائية وروت تفاصيلها الدقاق في لقاء مطول أجرته معها جميلة التوني بصحيفة «الرأي العام» المصرية بتاريخ 19 سبتمبر 2000م. ولعل ما ذكر أعلاه هو مجرد أمثلة متفرقة من هنا و هناك، سمح لها أصحابها أن تجاوز السر الى العلن، ليبقى الكثير مطمورا في درك الخوف والتردد، حيث يمتنع البعض عن ذكر حوادث مشابهة حفاظا على سرية تلك الصلة الروحية الشفرية، أو تجنبا لمزالق التكذيب والتهم الجزاف. ليظل الأمر مستغلقا عصيا.. لا تسكت فتات التفسيرات المبذولة فيه جوع السؤال. ماذا حدث في تلك الليالي؟! - انتهى -