فجّرت التسريبات التى نشرت مؤخرا حول تلقى رئيسة المحكمة الجنائية الدولية رشى لفبركة أدلة وجلب شهود زور ضد الرئيس عمر البشير مزيد من الجدل، كما أضفت هذه التسريات زخما أكبر على المواجهة المستمرة حول هذه المحكمة والدول الأفريقية. كان موقع "لندن إفيننغ بوست" قد ذكر مؤخرا أن رئيسة المحكمة الأرجنتينية الأصل سيلفيا أليخاندرا فيرناديز دي غورمندي قد تلقت رشى –مايعادل 17 مليون دولار فى الفترة بين 2004 و2015، لمساعدة الادعاء العام بالمحكمة على جلب شهود زور وتسلمت هذه الرشى لعدد من الحركات المسلحة من بينها حركة تحرير السودان بزعامة عبدالواحد نور. شهود الزور ويتداول المتابعون لقضية دار فور منذ إندلاعها قصصا ورايات كثيرة حول عملية فبركة الشهادات وتلقين بعض الافراد أقوالا للادلاء بها أمام المحكمة وكذلك فبركة أفلام عن وقائع مزعومة لعمليات إغتصاب عن دافور. وتورطت فى هذه الفضيحة -من خلال تهريب اشخاص الى الخارج عبر دول الجوار وبمساعدة منظمات غربية مؤيدة للجنائية الدولية- التى تكشفت مؤخرا عدة جهات منها المجموعات المتمردة والمنظمات الغربية التى كانت تعمل فى دارفور وقت إندلاع التمرد فى مارس 2003 بجانب زعماء قبائل وغيرهم، وأطلق على عملية تهريب شهود الزور هؤلاء اسم (النفاج) ويعنى بالدارجة "الممر السرى الذى يهرب أو يمر به الناس". ويتزامن كشف هذه الفضيحة التى لا تزال المحكمة تتكم فى الرد أو التعليق عليها مع القمة الأفريقية السابعة والعشرين والتى تستضيفها دولة رواندا، كما تزامن توقيت الفضيحة ايضا مع بلوغ التصعيد الافريقى ضد المحكمة مراحل أعمق. وستنظر القمة على مستوى الرؤساء فى مستقبل العلاقة بين المحكمة الجنائية والمنظومة الأفريقية. مواجهة الجنائية وأخذت المواجهة بين الدول الأفريقية التى تعتبر الأكثر تركيز عليها فى كل الملفات والحالات التى نظرت فيها المحكمة منذ تأسيسها فى العام2002، أخذت مسارا تصاعديا، فلم يعد السودان وحيدا فى مواجهة المحكمة المدعومة من الدول الدول الكبرى، والذى ينظر اليه على أنه أقوى دليل على مدى تسييس الجنائية الدولية من قبل الدول الكبرى ذات النفوذ فى أروقة السياسة الدولية حيث تستخدمها كأداة لإخضاع الدول والنظم التى تعاديها أو تقف ضد سياستها حتى وإن كانت هذه إمبريالية وعداونية وظالمة!. نقطة حاسمة تستضيف كيغالى عاصمة رواندا قمة الاتحاد الأفريقي رقم (27) يومى 17-18 من يوليو الجارى والتى ستدفع بالعلاقة بين الافارقة والجنائية الدولية الى نقطة مرحلة حاسمة. وبنظر كثير من المراقبين الى المواجهة المحتدمة بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية على انها صراع بين تيارين سوف يتحكمان فى مسار مستقبل ما يعرف ب"العدالة الدولية"، التيار الأول هو ذاك التيار الذى يتطلع الى قيام نظام دولى أكثر عدالة لا تهيمن فيه قلة من الدولة على مصائر الدول والشعوب الأخرى وأن العدالة يجب أن يخضع لها وتحقق للجميع، إذ لا يمكن إستثناء الدول الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية التى تغزو بلدان العالم الأخرى شرقا وغربا وطول الكرة الأرضية بدون سند من الشرعية الدولية الموجودة حاليا- على علاتها- مع ذلك تحاول حماية نفسها من أى نوع من المساءلة. وأما التيار الثانى فهو التيار الذى يريد الإبقاء على الوضع الراهن والمختل وغير العادل لاسيما تسلط الدول الكبرى خاصة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن على مقاليد العالم وتجيير مؤسسات السياسة الدولية لخدمة مصالحها حيث تمثل المحكمة الجنائية-ومن المفارقات-وكذلك تجليات العدالة العوراء السائدة حاليا- أن الدول الكبرى التى تساند تحركات هذه المحكمة تجاه السودان غير مصادقة أو معترفة بميثاقها. ورغم أن الأحداث الخطيرة فى دولة جنوب السودان بعد تجدد المعارك بين قوات الموالية للرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار سوف تكون فى طليعة أجندة القمة الأفريقية التى تستضيفها رواندا، وايضا ستكون المحكمة الجنائية من النقاشات والمداولات. وأستبق الرئيس الرواندى بول كيغامى إنعقاد القمة بتأكيد ترحيبه بمشاركة الرئيس عمر البشير حيث قال فى تصريحات صحفية " الرئيس البشير مرحب به فى أى وقت وسيكون حرا فى بلده الثانى [رواندا] ونحن لن نستجيب للمحكمة الجنائية الدولية ولن نتخذ أى إجراء من أى نوع تجاهه". ويعتبر هذه التصريح القوى موقفا جديدا من أعلى مستوى أفريقى فى مواجهة "المحكمة الجنائية الدولية" التى كانت تتحرك فى كل مرة عندما يكون الرئيس البشير مشاركا فى إحدى المناسبات وتحاول إثارة جلية إعلامية أو إستغلال تلك المشاركة فى حشد التأييد والدعم لتحركاتها تجاه السودان خصوصا والبلدان الافريقية الأخرى. مواقف أفريقية تواصلت التحركات التى تقوم بها دول القارة الافريقية وبعض المنظمات غير الحكومية لمناهضة الإستهداف المستمر للمحكمة للأفارقة فمن بين كل الحالات التى نظرت فيها المحكمة تشكل القضايا الأفريقية أغلب تلك الحالات. مؤخرا صوّب الرئيس الأوغندى، وهو لاعب إقليمى نافذ على مستوى القارة الأفريقية وكان جزءا من سياسات الغربية تجاه القارة خاصة شرق أفريقيا والقرن الأفريقى، إنتقادات حادة ضد المحكمة وإستهدافها للقاة الأفارقة. فى مايو الماضى عقد ثمانية من وزراء الخارجية الأفارقة إجتماعا فى نيويورك لتوحيد المواقف تجاه المحكمة. ويتوقع بعض الخبراء أن تتطور المواقف الافريقية المناهضة للمحكمة الى الإنسحاب منها نهائيا. قمة رواندا تحفل قمة رواندا بجدول أعمال حافل بالتحديات، فبجانب الكارثة الإنسانية المستفحلة فى جنوب السودان والموقف من الجنائية الدولية، ينظر قادة القارة كذلك خلال قمة "كيغالى" فى الأزمة فى رواندا والتوتر فى الكونغو الديموقراطية، حيث يهدد النزاع والتوتر فى هذين البلدين بالتحول الى تهديد إقليمى قد يعصف بالإستقرار فى منطقة البحيرات العظمى برمتها. الى جانب ما تقدم، هناك مسألة تطوير مؤسسات الإتحاد الأفريقى، فضلا عن مدى التقدم فى أجندة خطة الأتحاد 2063 وعلاقات الإتحاد الأفريقى بالمؤسسات الدولية والاقليمية والهجرة غير الشرعية والتمرد والإرهاب وعملية السلام فى القارة وغيرها من الأجندة.