تواصل احتفالات المولد النبوي في الخرطوم، وانطلقت الأحد "الزفة" التي تعتبر من التقاليد المتجذرة في السودان، وتنطلق مواكبها عادة مطلع شهر ربيع الأول من كل عام، عقب صلاة العصر من الميادين العامة، مصحوبة بالموسيقى والطبول الشعبية، وصولا إلى الأماكن المخصصة للاحتفاء بهذه المناسبة الدينية. وتتخلل الزفة أناشيد دينية وأهازيج المتصوفة على إيقاعات الطبول والدفوف ومنها "النوبة" وهي آلة إيقاعية شعبية، فيما تنشد الفرق الصوفية المدائح النبوية، التي يتمايل على إيقاعاتها المريدون. وانطلقت الزفة هذا العام من منطقة شرق النيل، وسارت إلى ميدان المولد وسط مدينة الخرطوم بحري، حيث تنصب السرادق والخيام طوال الأيام الأولى من ربيع الأول، حتى الثاني عشر منه، يوم ميلاد النبي محمد، ويطلقون عليه "وقفة المولد"، وفيها يبلغ الاحتفال ذروته ويستمر مع الإنشاد والمديح حتى وقت متأخر من الليل. وبدأ الاحتفال هذا العام من خلال الزفة الكبيرة التي يشارك فيها الرجال والنساء والأطفال من أهل السودان مع وجود كبير لممثلي الطرق الصوفية الكثيرة، والذين يحضرون بملابسهم المميزة ومعهم البيارق والأعلام بألوانها المختلفة وآياتها الدينية، إضافة إلى الطبول والدفوف والسيوف. ومع التطورات الحياتية حافظ السودانيون على تقليد إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف مع اختلاف وتطور وسائل وطرق الاحتفال، حيث حلت الدراجات البخارية مكان الخيول في المدن الكبرى وأصبحت تقود الزفة. وتحمل الاحتفالات بالمولد النبوي دعوة إلى ضرورة التسامح الديني بين الجماعات الإسلامية المختلفة، ونبذ العنف والتطرف اللذين بدآ يطلان برأسيهما بين المتصوفة الذين كانوا ينصبون سرادقاتهم وخيامهم، وبين أنصار السنة الدينية المتشددة الذين شرعوا بدورهم في السنوات الأخيرة في نصب سرادقهم في ساحات الاحتفال، لإثناء المشاركين في المناسبة، باعتبارها "بدعة" تفتقر إلى السند الصحيح من القرآن والسنة. وشدّدت السلطات في الخرطوم على أهمية أن تلتزم جميع الأطراف المشاركة في احتفالات المولد بالبعد عن الغلو والتطرف في الأفكار، ونبذ الصراعات بين طوائف المجتمع، والاقتداء بالتعاليم الإسلامية والسيرة النبوية في الاحتفال. ويقول حسين علي، أحد مشايخ الطريقة الصوفية التيجانية التابعة لجمعية الإمام مالك الفقهية، "إن الاحتفال بمولد خاتم الأنبياء محمد هو ذكرى روحانية نحرص على إحيائها سنويا لتجديد الإيمان وتعمير القلوب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وقال أحمد آدم محمد، أحد منتسبي الطريقة العزمية بالسودان، "طوال أيام الاحتفال بالمولد النبوي تعقد العديد من الخطب في الفقه وإلقاء المواعظ والدروس المستفادة من السيرة النبوية، فضلا عن الأناشيد الدينية في مدح وحب الرسول الكريم". وأضاف آدم أن الأساليب والطرق الصوفية تختلف فقط من حيث المسميات، ولكن المشاعر واحدة والهدف واحد وهو السير على خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويوافق الخميس 30 نوفمبر/ 12 ربيع الأول ذكرى مولد النبي محمد، التي يحتفل بها المسلمون في مختلف أنحاء العالم، ويحتفي بها السودانيون بشكل خاص، ويسمونها "يوم الوقفة". وفي يوم الوقفة تتكاثف الاحتفالات داخل الخيام والسرادق، حيث يضم ميدان المولد جناحا لكل الطرق والجماعات الصوفية تقام فيه الليالي الدينية منذ دخول شهر ربيع الأول الذي يشهد ازدحاما كبيرا من المواطنين الذين يتوافدون من كل حدب وصوب على ميدان المولد. وتتباين الاحتفالات داخل الخيام، فهنا سرادق الطريقة البرهانية ونجد فيه ندوة تتحدث عن سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويجاوره سرادق الطريقة التيجانية ومنه تتعالى أصوات المنشدين بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما يعلو الغبار من سرادق مجاور، حيث يرقص أتباع إحدى الطرق في حركات منتظمة مع ارتفاع الأصوات بالأذكار. ويدور الدراويش بثيابهم الملونة حول أنفسهم وهم بعض مريدي شيوخ الطرق الصوفية يدورون بلا وعي، بينما تجد شيوخا يقفزون كشباب في عز العمر. وغير بعيد يوجد أيضا سرادق للجماعات المتشددة، وبعضها ترى أن الاحتفال بالمولد بدعة، وتستفيد من الحشود لبث أفكارها. وفي البيوت السودانية تبدأ العائلات بمختلف طبقاتها منذ وقت مبكر في الاستعداد للذهاب إلى ميدان المولد. ويلبس الأطفال أزهى الثياب كما في عيدي الفطر والأضحي ويصطحبهم ذووهم إلى ميدان المولد. وإلى جانب الاحتفال الديني، هناك من يغتنمون فرصة هذه الاحتفالات لكسب معيشتهم ببيع الحلوى كمظهر أساسي من مظاهر الاحتفال وجلب الفرح والسرور. وتحيط محلات بيع الحلوى بميدان المولد من كل ناحية، وهي وجهة الأطفال التي ينتظرونها كل مولد، حيث تتوفر فيها مختلف أنواع الحلويات السمسمية، والفولية والحمصية، وهي حلويات تصنع من السكر وتضاف إليها أنواع من البقوليات تضفي عليها طعما متميزا.