هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    ((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث 11 سبتمبر 2001م ودورها في بناء التحالف الدولي ضد ما يسمونه بالإرهاب

تظل القوة هي المسيطرة على العلاقات الدولية وتتخذ أشكالا مباشرة أو غير مباشرة وتحت مسميات مختلفة إما قوة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو نووية تؤصل الرعب في نفوس الخصوم. هذا ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم باسم الحرب على الإرهاب الذي اتخذته ذريعة لتبرير موقفها من الدول المخالفة لها في الايدولوجيا أو التي تخشى خطرها ، ودرجت أمريكا على خيار الدبلوماسية والشعارات البراقة التي تحاول إقناع الرأي العالمي بها وان كان يؤثر على سياساتها كثيرا فهي درجت على التصرف منفردة وتبؤ مراكز القيادة منذ خروجها عن فترة العزلة التي كانت تمارسها قبل الحرب العالمية الأولى وحتى قدرة القطبية الأحادية الذى طوت فيه أمريكا العالم تحت قبضتها بالرغم من المقاومات والمعارضات من بعض القوى التي لم تستطيع حتى الآن أن تبرز وجودها وثقلها، كان نصيب كل بقعة في العالم من حرب الإرهاب واقعا ومازال وبالذات الدول التي كانت تحت الاتحاد السوفيتي أو الدول ذات التوجهات الايدولوجية المختلفة وهي الدول الإسلامية في المنطقة العربية وفي القرن الأفريقي فكل الدول التي أعلنتها أمريكا في قائمة أولويات الحرب على الإرهاب تقع في هذه الدائرة . إن التطور الأكبر لمصطلح الإرهاب والذي لفت إليه انتباه العالم هو ما أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بعد الهجمات التي تعرضت لها أجزاء من نيويورك وواشنطن بالولايات المتحدة، والتي مثلت نقلة نوعية هامة في تطور ظاهرة الإرهاب وبدت أقرب إلى ما يعرف بالإرهاب الجديد أكثر من كونها شكلاً من أشكال الإرهاب التقليدي القديم وكان مفهوم الإرهاب الجديد قد دخل إلى الأدبيات السياسية خلال عقد التسعينات من جانب العديد من الأكاديميين والسياسيين بوصفه شكلاً متميزاً من أشكال الإرهاب تحركه الايدولوجيات ذات الأساس الديني المتطرف كما يتميز هذا الشكل باعتماده على شبكات تنظيمية واسعة بالإضافة إلى كونه أكثر تنظيماً لاستخدام أسلحة الدمار الشامل لضرب أهداف محددة ( *) ولا تقتصر أهمية هذا التحول على ما يمثله من تهديد جديد جزئياً للأمن الدولي ، ولكن أيضا على ما إستثاره من ردود افعال من جانب الولايات المتحدة والقوى الدولية الاخرى والتي لم تقتصر فقط على شن حملة دولية واسعة بقيادة الولايات المتحدة ضد الارهاب ولكنها وصلت لتبني الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش لموقف يقوم على أن وقف الارهاب ومحاسبة الدول التي ترعاه أصبح التركيز الرئيسي للادارة الامريكية وهو ما يعني أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد غيرت السياسة الخارجية الامريكية بصورة جذرية حيث أصبحت هذه السياسة موجهة بالكامل نحو أهداف مكافحة الارهاب بما ينطوي عليه هذا الامر من تخصيص للموارد المادية والبشرية وإعادة تشكيل التحالفات الخارجية الامريكية وعلاقاتها الدولية وهو ما يعتبر أوضح تعبير على المكانة التي بات الارهاب يحتلها كشكل رئيسي من أشكال الصراع المسلح على الساحة الدولية , ومن هذا المنظور فإن الارهاب الجديد يمثل في واقع الامر الجيل الثالث في تطور الظاهرة الارهابية في العصر الحديث فالجيل الاول كان عبارة عن موجات الارهاب ذات الطابع القومي المتطرف التي إجتاحت اوربا منذ اواخر القرن التاسع عشر وحتى عقد الثلاثينات ، وكان القائمون بالارهاب في الاغلب من الوطنيين المتطرفين واعتمدوا على اسلحة خفيفة ، أما الجيل الثاني فهو عبارة عن موجات الارهاب ذات الطابع الايدولوجي اثناء الحرب الباردة وكانت في جوهرها اداة من ادوات الصراع بين الشرق والغرب ، أما الجيل الثالث او الحالي فهو إرهاب يتسم بخصائص متميزة ومختلفة عن إرهاب العقود السابقة من حيث التنظيم والتسلح والاهداف فمن حيث التنظيم تتسم جماعات الارهاب الجديد بغلبة النمط العابر للجنسيات حيث تضم أفراداً ينتمون الى جنسيات مختلفة ولكن تجمعها أيدولوجية دينية او سياسية أما من حيث الاهداف فإن الارهاب الجديد يركز على ايقاع اكبر الخسائر مادياً وبشرياً وليس فقط مجرد لفت الانتباه الى المطالب السياسية والعقائدية على غرار ارهاب السبعينات والثمانينات، كما يتسم الارهاب الجديد بكثافة التعبير عن الكراهية والرفض الشديد للآخر من خلال استهداف رموز بارزة لديه , وكانت الولايات المتحدة بصفة خاصة هدفاً رئيسياً للعديد من عمليات الارهاب الجديد سواء بسسب مكانتها الدولية كقوة عظمى وحيدة في العالم بعد الحرب الباردة أو بسسب ما تتسم به سياستها الخارجية من إختلالات وتحيزات صرفة أو بسسب تعقيد بيئتها الداخلية ( *) . وفي الوقت نفسه فإن هجمات سبتمبر مثلت مأزقاً عسكرياً حقيقاً للولايات المتحدة فعلى الرغم من قوة الولايات الهائلة في المجال العسكري الا أن هذه القوة لاتستطيع أن تفلح في مواجهة مصادر عدم الاستقرار الداخلي, ففي أفغانستان لم تمارس القوات الامريكية قتالاً برياً حقيقياً دائماً على قوات التحالف الشمالي الموالية لها مما يعكس افتقار الولايات المتحدة للوسائل القتالية والتكتيكات الملائمة لمثل هذا النوع من الصراع المسلح ، لذلك بدأت الولايات المتحدة بعد احداث سبتمبر تراجع خططها وتحدث تغييراً في هياكلها التنفيذية و السياسية. (* ) كما كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م تأثيرها الواضح على مفهوم الأمن، إذ طرحت مفهوماً جديداً للأمن الدولي، سواء في شِقِّه المتعلق بالترتيبات أو الاستراتيجيات الأمنية الجديدة، حيث حاولت الولايات المتحدة فرض أجندتها الخاصة بمفهوم الأمن، والذي يقوم بالأساس على "أن الإرهاب هو أخطر مصادر التهديد التي تواجه أمن الدول والمجتمعات، وأن العالم كله معرض لاعتداءات إرهابية شبيهة بأحداث سبتمبر"، وشرعت في بناء تحالف دولي ضد "الإرهاب"، وقادت حملة ضده، استخدمت فيها كل الوسائل بما فيها العسكرية كما حدث مع الإطاحة بحركة طالبان في أكتوبر 2001م، أي بعد الأحداث بشهر، والإطاحة بنظام صدام حسين في أبريل 2003م، فضلاً عن الوسائل الأخري كتجفيف المنابع المالية والاقتصادية والثقافية للإرهاب. في نفس الوقت إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر تُعَدّ حادثاً تاريخياً بكل المعايير، كما يُعَدّ أضخم وأجرأ هجوم مُعاد للولايات المتحدة الأمريكية، ينفذ داخل أراضيها منذ قيام الاتحاد الأمريكي، ولذلك نتجت عن تلك الهجمات تأثيرات قوية، خاصة على الصعيد الداخلي الأمريكي، خاصة على صعيد "عقيدة الأمن القومي الأمريكي" ، حيث اقتصرت هذه العقيدة في العقود الماضية على تصور "تهديدات إستراتيجية" من جانب عدو خارجي، يهدد الأرض أو المصالح الأمريكية، سواء كانت دولة أو عدة دول يمكن تحديدها، ويمكن الرد عليها في حالة نشوب عداء متبادل، وطُوِّرت هذه العقيدة بعض الشيء في السنوات الأخيرة لتتضمن مخاطر إما من قبل دول أو منظمات تمثل تهديداً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، لكن بإمكانها الأضرار بمصالحها سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها، أما الآن، فإن هذه الهجمات تُغير تلك الرؤى، حيث ظهر أن هناك منظمات أو مجموعات من الأفراد قد تكون قادرة على تشكيل وتنفيذ "تهديدات إستراتيجية" ضد الولايات المتحدة، تشل الحياة السياسية والاقتصادية بالداخل، وهو ما يمثل بالتأكيد انقلابا في الفكر الأمني والإستراتيجي الأمريكي، والذي يضع على المحك كل أنماط التفكير السائد بما فيها مشروع الدرع الصاروخي، الذي تأسس وفق الرؤية التقليدية لتصور التهديدات والمخاطر. وبالتالي كانت أحداث سبتمبر فرصة للولايات المتحدة لصياغة استراتيجيتها الأمنية الجديدة (استراتيجية الهجمات الوقائية)، ( *) والتي تنطلق من حق واشنطن في توجيه ضربات عسكرية وقائية ضد أية دولة أو جماعة ترى أنها باتت تمثل خطراً أو تهديداً للأمن الأمريكي بمفهومه الواسع، وبدأت تتصرّف بمنطق القوة العظمى الوحيدة في العالم، وحاولت توظيف الأحداث من أجل تحقيق مصالح وفوائد ومنافع جديدة تساعدها على الاحتفاظ بموقعها المتميز على قمة النظام الدولي. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمدت الإدارة الأمريكية في تحركاتها على التوجهات والمبادئ التالية: ( *) - رفض العمل الجماعي من حيث المبدأ، وربط المشاركة الاستثنائية فيه بشرطين رئيسين، الأول: أن تتم هذه المشاركة تحت قيادة أمريكية، والثاني: أن تحقِّق الولايات المتحدة أقصى فائدة ممكنة، ولهذا تحلّلت الولايات المتحدة من العديد من الاتفاقات الدولية التي صدَّقت عليها أو وقعت عليها أو وافقت عليها، من قبيل الاتفاقات الخاصة بنزع الألغام، ومكافحة غسيل الأموال، وضبط الأسلحة الصغيرة وتنظيمها، والحدّ من تلوُّث البيئة (بروتوكول كيوتو)، هذا فضلاً عن دعوتها لمراجعة اتفاقية الحدّ من انتشار الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية التي وقَّعتها مع الاتحاد السوفيتي السابق عام 1973م؛ وخطورة هذه السياسة الأمريكية أنها تشكِّل سابقة يمكن الاستناد إليها وتكرارها على نحو ينذر بتقويض الشرعية الدولية. - إستخدام الأداة العسكرية في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، مع ترشيد استخدام هذه الأداة وربطها بتحقيق المصالح الأمريكية المباشرة، كما حدث في حربي أفغانستان (أكتوبر 2001م)، والعراق (مارس 2003م). - إعادة تعريف مفهوم السيادة، وذلك من أجل ملاحقة ما تدعي بانهم إرهابيين والدول التي تحميهم، وإعطاء قيمة قليلة للاستقرار العالمي، وذلك لحاجة الولايات المتحدة إلى تجاوز تفكير الحرب الباردة العقيم والاستعداد لترتيبات أمنية جديدة. ( *) - تحديد أولويات الخطر الذي يهدد أمن الدول والمجتمعات على النحو التالي: أولاً: الإرهاب، وثانياً: الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في دول محور الشر، وثالثاً: الخلل في البنيان الاجتماعي والسياسي في بعض البلاد الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية، ثم بعض الصراعات الإقليمية التي قد يؤدي استمرارها إلى تهديد أمن المناطق التي تقع فيها أو الأمن الدولي على اتساعه. (* ) هذه التوجّهات قادت إلى وجود مفهوم جديد للأمن ذي أبعاد وقضايا مختلفة من قبيل: هل الأمن مرتبط بأمن الحدود، أم أمن المواطنين، أم أمن المصالح الأمريكية؟ وهل الأمن يكون لكل دولة على حدة بمعزل عن الدول الأخرى، أم أنه أمن جماعي يفترض نوعاً من الاعتماد المتبادل؟ وهل التهديدات للأمن تأتي من الخارج أم من الداخل؟ ، لقد اكتشفت الولايات المتحدة أنها تواجه تهديداً من نوع جديد يستهدف الكيان والوجود الأمريكي عبر استخدام أسلحة وهجمات غير متوقعة، بهدف تحقيق خسائر مادية وبشرية جسيمة، ويصل بالخطر إلى قلب واشنطن ونيويورك، وإلى المواطن الأمريكي لأول مرة، مما استدعى مواجهته بهجوم ساحق وحرب شاملة من طرف الولايات المتحدة، تعبئ فيها كل إمكاناتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، مما يجعل هذه الحرب ممتدة ومتنوعة الوسائل، وهي تتطلب إعادة تقويم القوى النسبية التي تهدِّد الولايات المتحدة. (* ) وأدى ذلك إلى تدويل قضايا الأمن في ظل سياسة التدخُّل العسكري المباشر التي تتبعها الولايات المتحدة، وأصبح هناك توجُّه أمريكي للتواجد في كل المناطق الاستراتيجية في العالم، وبما يحقق مصالحها الحيوية، وكانت نتيجة ذلك تقليص أهمية المدخل الإقليمي لترتيبات الأمن ذاته لصالح "المدخل الدولي" المرتبط بسياسة الدولة العظمى في العالم، وليس ذلك المدخل التقليدي المرتبط بالمعاهدات الدولية . ( *) في ضوء ما سبق، فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثارت قضايا أمنية جديدة، أبرزها: (أ) إدخال الفاعلين غير الرسميين ضمن نطاق عملية ترتيب الأوضاع الأمنية على المستوى الإقليمي، فقد كان مفهوماً قبل ذلك بوقت طويل أن الدول لم تعد الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية، وأن هناك فاعلين غير حكوميين تجاوزت قدراتهم إمكانات كثير من الدول في ظل وجود أمثلة كثيرة حول التدخلات السياسية لتلك القوى غير الحكومية في الشؤون الداخلية للدول وفي علاقاتها البينية أيضاً . ( *) (ب) إدخال القضايا الأمنية غير التقليدية التي كان اصطلح على تسميتها: "الأبعاد غير العسكرية" للأمن ضمن جداول أعمال ترتيبات الأمن الإقليمية، فقد كانت هناك قائمة طويلة من المشكلات الأمنية التي لا ترتبط بامتلاك أو استخدام القوة العسكرية بالضرورة، إضافة إلى تلك القضايا غير العسكرية التي تكتسب أهمية أمنية عند وصول أوضاعها أو تأثيراتها إلى مستويات حرجة، والتي كانت تدخل ضمن نطاق كل تعريفات
الأمن الشامل. فبالإضافة إلى الخطر الذي يمثّله الإرهاب والجماعات الأصولية والراديكالية، سلَّطت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الضوء على البيئة الثقافية في الدول العربية والإسلامية، وكيف يمكن أن تشكِّل بطريقة غير مباشرة تهديداً للمصالح الأمريكية، بزعم أنها تشجِّع على التطرُّف والإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة وعديد من الدول الغربية الأخري. (ج) تغيير النظم تحت ستار الحرب ضد "الإرهاب"، حيث أصبح تغيير النظم "المارقة" من وجهة نظر واشنطن أحد أهداف الاستراتيجية الأمريكية، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دعا تيار المحافظين(الجدد) في الإدارة الأمريكية الذي يمثله كل من: وزير الدفاع الأمريكي السابق "رامسفيلد"، ونائبه "وولفويتز"، ومستشارة الأمن القومي السابقة ووزيرة الخارجية الحالية "كونداليزا رايس" إلى ضرورة العمل على تغيير الأنظمة الديكتاتورية التي تدعم الإرهاب بشكل مباشر، أو التي يمثل مجرد وجودها دعماً غير مباشر للإرهاب من خلال عدائها للحرية والديمقراطية، وتحقَّق ذلك بالفعل في حالتي: أفغانستان، حيث تم القضاء على حركة طالبان، والعراق، حيث تمّت الإطاحة بنظام صدام حسين. (* ) (د) الاستخدام المفرط للقوة بعيداً عن أي ضوابط، فقد كشفت الممارسات الفعلية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن استخدام مفرط للقوة العسكرية، وتهديد الأمن القومي لعدة دول بحجة مقاومة الإرهاب، لأن الولايات المتحدة اكتشفت أنها أمام عدو من نوع جديد يتمثّل في شبكة واسعة من التنظيمات الفرعية التي لا تحكمها هياكل تنظيمية محددة ولا تعمل في إطار خطة عسكرية، ولا يمكن توقُّع أفعالها، لذلك عمدت إلى سياسة الانتشار العسكري التي بدأت باليمن والفيلبين، وتحقيق الانفتاح العسكري في كل من ماليزيا، وإندونيسيا، والسودان، والصومال .. وغيرها، لضمان امتداد المظلة العسكرية الأمريكية إلى معظم المناطق التي يُتوقَّع انتشار تنظيم القاعدة فيها. والمشكلة أن الولايات المتحدة تلجأ إلى استخدام القوة خارج نطاق القانون الدولي، بل إنها في أحيان أخرى تُطوّع القانون الدولي ليتناسب مع المرامي والأهداف الأمريكية وبما يؤدي إلى حماية مصالحها، وتفسر ذلك بأن الإطار الحالي لتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية لم يعد ملائماً للتطورات الدولية الراهنة في عالم الألفية الثالثة، وبخاصة بعد أن فشل هذا الإطار في التصدِّي للدول "المارقة" التي تشجِّع الإرهاب وتحمي الجماعات الإرهابية أو ترتكب الفظائع وتنتهك حقوق الإنسان ضد شعوبها، وترى ضرورة أن تعمل الأمم المتحدة على تجاوز الإطار القانوني القائم حالياً إلى النحو الذي يُطلق يدها في التعامل مع هذه الدول من خلال استخدام للقوة المسلحة لا تحدّه القيود التي ينطوي عليها ميثاق الأمم المتحدة . (* ) (ه) التعامل مع قضية أسلحة التدمير الشامل من منظور مختلف، باعتبارها أحد مصادر تهديد الأمن الدولي، حيث بدأت الولايات المتحدة تتعامل مع هذه القضية عبر استخدام وسائل غير تقليدية، سواء باستخدام القوة المسلحة (نموذج العراق)، أو التهديد باستخدامها (كما في حالة إيران)، أو بالوسائل السياسية (كما في حالتي كل من ليبيا وكوريا الشمالية)، وتسعى إلى إدارة هذا الملف بعيداً عن الأطر التقليدية . وقد ترتبت على ذلك نتائج خطيرة تمثّلت في توظيف الولايات المتحدة هذا الملف كورقة ضغط ضد بعض الدول، كما يحدث مع سوريا وإيران حالياً، وعلى الجانب المقابل يتم تجاهل ترسانة إسرائيل الضخمة من أسلحة التدمير الشامل.(*) وفي مجمل القول شكلت هجمات 11 سبتمبر 2001م نقلة نوعية خطيرة في نمط ما يسمى الإرهاب الدولي، وليس من قبيل المبالغة القول، إن الإرهاب الجديد، أصبح واحداً من الأشكال الرئيسية- أن لم يكن الشكل الرئيسي- للصراع المسلح على الساحة الدولية، ولا يقتصر أهمية هذا التحول على ما يمثله من تهديد جديد للأمن الدولي، ولكن أيضاً على ما استثاره من ردود أفعال من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الدولية الأخرى، والتي لم تقتصر فقط على شن حملة دولية واسعة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب، ولكنها وصلت إلى حد اعتماد الرئيس بوش، لموقف قوامه أن وقف الإرهاب، ومحاسبة الدول التي ترعاه، أصبحا التركيز الرئيسي للإدارة الأمريكية. وهو ما يعنى بوضوح أن أحداث سبتمبر2001م قد غيرت السياسة الخارجية الأمريكية، بصورة جذرية، حيث أصبحت هذه السياسة موجهة بالكامل نحو أهداف مكافحة الإرهاب، بما ينطوي عليه هذا الأمر من تخصيص للموارد المادية والبشرية وإعادة تشكيل التحالفات الخارجية الأمريكية وعلاقاتها الدولية، وهو ما يعد أوضح تعبير عن المكانة التي بات الإرهاب يحتلها بوصفه شكلاً رئيسياً من أشكال الصراع المسلح على الساحة الدولية. (*) هذا وقد أعطت هجمات سبتمبر مزيداً من قوة الدفع لجهود مكافحة الإرهاب، بحيث استحوذت الأدوات العسكرية على الجانب الأكبر من جهود مكافحة الإرهاب، حيث اندفعت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة نحو القيام برد عسكري على الهجمات حتى قبل أن تتوافر الأدلة الكافية لها بشأن المسئولين عن هذه الهجمات، ووجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في حاجة إلى بناء تحالف دولي واسع النطاق لمكافحة الإرهاب، ولكنه ليس تحالفاً عسكرياً تقليدياً، وإنما يغلب عليه الطابع السياسي، ويركز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية، من أجل تعقب الجماعات الإرهابية وضرب شبكاتها العالمية وتجفيف مواردها المالية. وتنبع أهمية التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، من أن هجمات 11 سبتمبر، أكدت أن الإرهاب الدولي أصبح يمثل تحدياً بالغ الخطورة، بحيث لا يمكن لأي دولة أن تواجهه بمفردها مهما كانت قدراتها، وفى الوقت نفسه، ركزت الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية على تطوير التشريعات لمكافحة الإرهاب، ليس فقط في المجال الأمني ولكن أيضاً في مجال تشديد إجراءات دخول الولايات المتحدة والإقامة فيها، وكذلك إعادة النظر في سياسات الهجرة. ============ ( ) أحمد إبراهيم محمود ، الإرهاب الجديد الشكل الرئيسي للصراع المسلح في الساحة الدولية ، السياسة الدولية ، العدد 147 ، يناير 2002م ، ص 44. (2 ) احمد ابراهيم محمود ، مصدر سبق ذكره ، ص 46. (3 ) نفس المصدر السابق ، ص 47. (4 ) استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديد ... رؤية نقدية"، مجلة شؤون خليجية، العدد (33)، ربيع 2003م، ص 28. (5 ) نيفين مسعد، "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الدول العربية بعد أحداث 11 سبتمبر"، في: "تحرير: د. أحمد يوسف أحمد، ود. ممدوح حمزة، صناعة الكراهية في العلاقات العربية الأمريكيةالقاهرة، مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر، الطبعة الأولى سبتمبر 2002م، ص 167- 169. )6 ( John Ikenberry, America,s Imperial Ambition, Foreign Affairs. Vol.81, No.5, September - October 2002, pp 49-55. (7 ) مصطفى علوي، "السياسة الخارجية الأمريكية وهيكل النظام الدولي"، مجلة السياسة الدولية، العدد (153)، يوليو 2003م، ص 69. )8 (Kostas Infantis. Anote on The New Security Paradigm After the 11 September Terrorist Attacks, Pereceptions, vol, 11. No. 1 March-May 2002. (9) محمد عبد السلام، "ترتيبات الأمن الإقليمية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001م"، سلسلة كراسات استراتيجية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام، العدد (127)، 2003م، ص 27 – 28. (10) محمد عبد السلام، ، مصدر سابق ، ص 28 29 (11 ) د. مصطفى علوي، مصدر سابق ،ص 69. )12 ) Arend, Antoy Clark, International Low and Rouge States The Failure of Charter Framwark, New England Low Review, vol. 36, p 735. (13 ) محمد عبد السلام، "ضبط التسلُّح في مرحلة ما بعد حرب العراق"، مجلة السياسة الدولية، العدد (153)، يوليو 2003م، ص 109. (14) أحمد عبد الحليم، الإستراتيجية الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب، ورقة بحثية، ندوة هيئة البحوث العسكرية، القاهرة، مايو2003 ، ص 19.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.