فرضت المواقف الدولية والمصالحات الداخلية التى قام بها السودان واقعاً جديداً في العلاقات بين الخرطوموواشنطن ورسخت متغيرات الأوضاع الامنية والدور الذي ظل يلعبه في مكافحة الارهاب قناعة كاملة لدي الجهات الإستخباراتية داخل الولاياتالمتحدة بدوره المحوري في مكافحة الظاهرة، بل انها اعتبرته من اكثر الدول استقراراً مما اهله للقيام بمبادرات لاحلال السلام في دول الإقليم من حوله مما أسهم في تحقيق الإستقرار بين دول المنطقة، كما ان واشنطن اصبحت لا تخفي انها تعول كثيراً على الخرطوم للعب دور ايجابي في تهدئة الأوضاع في أفريقيا الوسطى ودول البحيرات وحوض النيل، فضلاً عن مكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة. ومؤخراً استبشر كثير من الباحثون بتغير جوهري في العلاقات بين الخرطوموواشنطن خلال الفترة المقبلة دون التقليل من دور جماعات الضغط والتى اصبحت اقل عداءاً للسودان كما ان ادوارها ضعفت نسبياً. لكن يبدو ان هذه الجماعات حاولت معاودة نشاطها المعادي للسودان من خلال استغلال المظاهرات والإحتجاجات الاخيرة حيث حملت وسائل الإعلام المحلية والعالمية مطالبة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي إليوت انغل وزير الخارجية مايك بومبيو بإعداد تقرير حول ممارسات أجهزة الأمن السودانية ضد المتظاهرين. ويشير توقيت مطالبة الكونغرس لتسابق لوبيات واشنطن نحو ادارة ازمة السودان وصولاً الى قرارات لعدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب او الحيلولة دون دون الوصول الى تفاهمات بين الخرطوموواشنطن او عرقلة الحوار الجاري بين الجانبين على اقل تقدير. يبدو ان مجموعات الضغط المعادية للسودان لم يرق لها التطور في العلاقات مع واشنطن خاصة بعد القرارات الإيجابية التى ظلت تصدر من الولاياتالمتحدة تجاه السودان بدءً برفع العقوبات الإقتصادية ومروراً بقانون الحماية وانتهاءً بتقرير الخارجية الأمريكية الذي لم يتضمن اي إشارات سالبة تجاه السودان. وتعكس مطالبة الكونغرس ان هنالك نشاط خفي لمجموعات الضغط التى تقلص دورها بالتزامن مع تواجد ادارة ترامب على سدة الحكم، خاصة بعد ان اعلنت توجهها الى مكافحة الأرهاب وابدت اهتمامها بالسلم والأمن في القارة الافريقية كما ان هذه الملفات تعتبر من اهم انجازات الخرطوم خلال الفترة الاخيرة. ورغم من أن دور مجموعات الضغط المعادية للسودان يظل حاضراً الا أن هنالك ثوابت لا يمكن للكونغرس والمؤسسات الامنية الامريكية انكارها وتأتى في مقدمها دوره الإقليمي والدولي في محاربة الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب ، كما أن المؤشرات الاخيرة التى بدأت تصدر من الولاياتالمتحدة من شأنها أن تساعد في تأسيس مرحلة جديدة في علاقات الخرطوموواشنطن وتقود الي نتائج ايجابية. تحوى مطالبة الكونغرس اشارات سالبة تجاه عرقلة الحوار الإشستراتيجي بين الخرطوموواشنطن كما انها تحوى إشارات إيجابية من خلال التمعن في رسالة إنغل في فيما يختص بتفاصيل التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة والسودان، واستراتيجية واشنطن فيما يتعلق بالنهوض بالديمقراطية وتشجيع انتخابات ذات مصداقية في 2020، وهو الأمر الذي يتوافق مع توجهات بومبيو نظراً لخلفيته السابقة واطلاعه الكامل بدور السودان في مكافحة الإرهاب ابان توليه لادارة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) والتى اصدرت في آخر تقاريرها في نهاية العام 2016 م اشادة بدور السودان في مكافحة الإرهاب واقرارها بانه اصبح من الدول المساعدة في مكافحة الظاهرة، فالرجل بحسب تطلعات الأوساط السودانية يمكنه ان يقطع الطرق امام مجموعات الضغط التى تحاول أن تعرقل مساعي السودان للخروج من قائمة الارهاب بحسب خلفيته وإطلاعه الدقيق على ملف مكافحة الإرهاب. معلوم أن الكونجرس الأمريكي يحتوي على جماعات ضغط يمكن ان تؤثر في اتخاذ القرارات لدي الادارة الامريكية ولم تزل بعض هذه المجموعت تكن عداءً للسودان ولا يتوقع ان تقوم بتفويت فرصة تجاه الحكومة السودانية وهو الامر الذي دفعها الى استغلال الازمة الأخيرة ومحاولة الظهور على الساحة مرة اخري مما يحتم على السودان ادارة حوار صريح مع متخذي القرار في الولاياتالمتحدة على ان يستصحب معضلات المرحلة الحالية والعمل الدوؤب على رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب لجهة ان كثير من الازمات الاقتصادية التى دفعت الى الاحتجاجات ناتجة عن وجوده في القائمة السوداء.