مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية باخرة ارتبطت بتاريخ السودان لأكثر من (100) عام

الباخرة ملك تواجه مخاطر التآگل الصحافة لم تكن كثافة النيران التي انطلقت من فوهات المدافع والبوارج الحربية طوال حرب النهر وحتى معركة أم درمان كما يسميها المستعمر أو معركة كرري كما نحب أن نتغنى بها، تمثل نهاية للثورة المهدية فحسب، بل كانت تك اللحظات متغيّراً حقيقياً في التاريخ الحديث ليس للسودان وحده إنما على المستوى الإنساني، ولم يكن مدفع المكسيم الذي اكتشفه الروسي مكسيم - وهومدفع سريع الطلقات- ليجد مكاناً متقدّماً في تلك المعارك كأحدث تكنولوجيا توصل إليها البريطانيون وهم يحصدون الأرواح، حدثاً عادياً، فالبواخر التي سارت في ركب اللورد (كتشنر) لم تكن تحمل عاشقين كالباخرة (تايتنيك) وهي تبحر من بحر الشمال إلى الدنيا الجديدة عبر بحر الظلمات، بل حملت تلك البواخر كل تقنيات عصرها العسكرية لتنفيذ تلك المهام، وتبرز في مقدمتها الباخرة الحربية (ملك) محملة بمدافع المكسيم الرشاش الفتاكة والمدافع الساحلية المدمّرة معلنة عن بداية قرن جديد، وقال عن ذلك الأستاذ (محمد حسنين هيكل) في (باب الأزمنة المتغيرة) من مقدمة كتابه (الانفجار)، معتبراً فيه أن القرن العشرين من أخطر قرون الإنسانية، مستدلاً على ذلك بذكر «مدافع المكسيم» تبدّت نتائجها المروّعة في معركة الدراويش في حملة اعادة فتح السودان. لقد كانت البواخر الحربية على النيل المزوّدة بأحدث تقنيات العصر الجديد هي الداعمة الأساسية لحملة اللورد (كتشنر) وكانت الباخرة الحربية (ملك) مقر قيادة اللورد تقوم بدور عظيم في تلك الحرب تساندها زوارق حربية وبوارج مقاتلة أخرى مثل الباخرة (بوردين). وقد استطاعت الباخرة (ملك) ورفيقاتها في معركة أم درمان أن تدمّر الطوابي التي صنعتها المهدية بفاعلية وقدّر عدد الطوابي التي التي تم بناؤها من الشلال السادس وحتى أم درمان بحوالى (171) طابية فأطلق على تلك المعركة النهرية بمصيدة الموت كما ورد في بعض المراجع التاريخية يذكر بأن المدافع المثبتة على الباخرة قامت بإحداث ثقوب في قبة الإمام المهدي والتي كان يحتمي بها الأهالي مما سبب حالة من الإحباط، ورغم ما قامت به هذه الباخرة من دور مثّل متغيّراً تاريخياً حقيقياً إلا أنها تقبع الآن مغروسة في الطين على شاطئ نادي النيل الأزرق للزوارق بعد أن لفظها فيضان العام 1988م نحو اليابسة أي قبل (تسعة عشر عاماً مضت)، ومنذ ذلك التاريخ وجسد الباخرة «ملك» يعاني التآكل نتيجة العوامل البيئية.. ويذكر عبد المنعم مدحت العضو في نادي النيل الأزرق للزوارق وأحد الذين قاموا بعملية إنتشالها من الجرف الضحل الذي كادت تغرق فيه في العام 1988م قائلاً «لقد كنت في تلك الفترة أميناً عن دار نادي الزوارق وتعتبر الباخرة «ملك» جزءاً من ممتلكات النادي، فقمت بإخطار النادي بأنه لا بد من إخراج الباخرة من الطين الضحل وإلا ستغرق وقد وافقت إدارة النادي باعتباره الحل الوحيد لإنقاذها فقمنا بجرها بواسطة سيارة لاندكروز وشدها بالحبال بمساعدة مجموعة من المتطوعين بالكشافة البحرية ليكتمل العمل خلال اسبوع لتستقر في مكانها الحالي وخلال السنوات الماضية وضعنا حولها السور الصغير من الطوب ورغم أنها لا تزال تعاني من التآكل إلا أن العديد من الزوّار يقومون بزيارتها وخصوصاً من البريطانيين.. ويرى بعض المتابعين لتاريخ الباخرة (ملك) أنها سبقت في توغلها المياه السودانية حملة إعادة فتح السودان.. ويذهب العميد عمر النور مدير المتحف الحربي في تحديد وصولها السودان قائلاً: «لقد كانت الباخرة (ملك) ضمن البواخر التي كلّفت بإنقاذ غردون باشا عندما حاصرت جيوش المهدية الخرطوم ولكنها لم توفّق في الوصول لإنقاذ غردون ومن ثم عادت مع حملة (كتشنر) وكانت محمّلة مع آليات الجيش الإنجليزي ليتم تركيبها في مرفأ (العبيدية) شمال (بربر) لتكون من أخطر آليات الحملة». وهنالك رواية أخرى متقاربة مع ما ذهب إليه مدير المتحف الحربي جاءت في تقرير مكتوب باللغة الإنجليزية تحصلت عليه من أضابير هيئة النقل النهري يحتوي على تفاصيل لحالة الباخرة عند دخولها السودان وعدد المحتويات التي فيها ونتائج تقارير كتبت عن الباخرة (ملك) في عام 1889م ووصف مقتضب لعملية اعادة تركيب الباخرة والضباط المسؤولين عنها في سلاح المهندسين الملكي عند مرفأ العبيدية، وذكر التقرير أن الباخرة (ملك) قد تم تجريبها في أول مرة على نهر (التايمز) في بريطانيا ومن ثم تم نقلها بالبواخر إلى مصر حيث أعيد تركيبها مرة أخرى ومن ثم أعيد تفكيكها ونقلت بالقطار والبواخر النيلية إلى مرفأ العبيدية حيث تم تركيبها بواسطة سلاح المهندسين الملكي وتحت اشراف ضابط برتبة الميجر يدعى (غردون) ويشير التقرير إلى أن الباخرة (ملك) كانت تعمل بفاعلية في النيل على الرغم من أن ماكينتها كانت معقّدة وتحتاج إلى عمال مهرة يستطيعون التعامل مع الماكينات الحديثة التي كانت في الباخرة (ملك) والتي ذكر التقرير أنها كانت أفضل من البواخر الأخرى ويقول العميد (عمر) إن الباخرة (ملك) كانت مزوّدة بجانب مدافع المكسيم سريعة الطلقات بالمدافع الساحلية، والتي كانت من أحدث الأسلحة في ذلك الوقت. وعندما قمت بزيارة الباخرة وهي مغروسة في الطين على ضفة النيل الأزرق الجنوبية داخل النادي كان هنالك مدفع موجود في مقدمتها بالإضافة إلى عدد من الفتحات المنتشرة على جنباتها وطوابقها العلوية وغرفة القيادة حيث كانت تثبت مدافع المكسيم الرشاشة إلا أن تقرير النقل النهري ذكر بأن تقرير (برسي) السنوي في عام 1889م لم يذكر بأن الباخرة كان بها مدفع قاذف وأن التقارير التي صدرت عن (حرب النهر) في مصر لم تذكر وجود مدافع قاذفة بالباخرة وكذلك الصور الفوتوغرافية للباخرة حينما جرّبت في نهر (التايمز)، ولكن هنالك تقريراً لا يحمل اسماً ولا توقيعاً تمت الإشارة إليه في تقرير النقل النهري ذكر بأن الباخرة كانت ذات فعالية وقوة.. وهذا يطرح تساؤلاً عن ما إذا كانت الباخرة هي التي قامت بالتدمير ام أنها اكتفت بدور غرفة القيادة ومقر للورد (كتشنر) النهري، ويضيف العميد (عمر النور) عن مسيرة (ملك) قائلاً: لقد كان لهذه الباخرة دور في اخماد عدد من الثورات حتى فترة الحرب العالمية الثانية إذ كانت تعمل كناقلة للوقود في مناطق جنوب السودان بالإضافة إلى أنها كانت تمثل مقراً لنادي الزوارق منذ فترة الاستعمار.. ويتحدّث عبد المنعم مدحت عضو نادي الزوارق معدداً دور (ملك) في فعاليات النادي قائلاً: «إن على الباخرة لوحة مكتوب عليها اسماء الذين يفوزون بالسباقات النيلية ويوجد تاريخ لأول سباق في العام 1924م، مما يؤكد أن هذه الباخرة مثّلت مقراً للنادي في ذلك الوقت». غير أن كثيراً من المعلومات عن هذه الباخرة يبدو غير واضح، فهنالك من يتحدّث بأن الباخرة كانت مقراً للسجن التحفظي لطلاب الكلية الحربية المحتجين على ترحيل قائد ثورة 1924م (علي عبد اللطيف) إلى مصر، إضافة الى انه لا يجود تفصيل واضح للميقات الذي تم فيه نزع القطع الحربية من على سطح الباخرة أو أين ذهبت الأجزاء الهندسية لماكينات الباخرة التي كانت معقدة في حينها.. ويقول مدحت إن هيئة النقل النهري هي التي قامت بأخذ أجزاء المكينات البخارية التي على (ملك) وقام النادي بتحويل غرفة المكينات إلى مخازن لأعضاء النادي لحفظ الأشياء الخاصة بالزوارق. وينفي العميد عمر أن تكون الباخرة قد كانت سجناً للطلاب الحربيين، ويوضح ذلك قائلاً إن الطلاب الحربيين تم حبسهم على سبيل التحفظ داخل الباخرة (بوردين) وهي أكبر حجماً من (ملك)، لكنها أقل تقنية من (ملك) ويتركّب هيكلها في معظمه من الخشب بالإضافة إلى الهيكل الحديدي، وقد تغنى الناس في ذلك الزمان للزعيم (علي عبد اللطيف) والطلاب الحربيين بأغنية شهيرة في مطلعها (يا حليل الطير الرحل والتلامذة السكنوا البحر)، وأضاف قائلا «إن (البوردين) الآن توجد في النقل النهري مقسّمة إلى أربع أجزاء». كانت زيارة الباخرة (بوردين) أمراً حتمياً بعد أن شاهدت صورتها معلّقة في مكتب مدير المتحف الحربي ولم يكن الوصول إلى المكان صعباً داخل هيئة النقل النهري كان المكان موحشاً وأجزاء الهيكل الحديدي ترقد في صف واحد بجانب إحد« الورش المطلّة على النيل وقد تشققت أرض الحوض الذي احتضنها من جراء الفيضان. كان المشهد عصيباً وأنا أتجوّل بين أوصال (البوردين) الممزّقة ويرافقني أحد العمال.. وأنا اتنقل داخل أجزاء الهيكل الحديدي بدت بعض الثقوب على جنباته، لم أدر إن كانت بسبب التآكل أم لأسباب أخرى، ورغم ذلك كان واضحاً أن الهيكل الحديدي لا يزال قوياً وكأن لم يمض عليه سوى سنوات قليلة، ولكن ما هي الأسباب التي ادت الى تحوّل الهيكل الحديدي الى اجزاء متناثرة؟ تساؤلات طرحتها على أحد مهندسي النقل النهري فضّل أن لا أذكر اسمه فردّ قائلاً: «لقد تم تقسيم الهيكل الحديدي (للبوردين) وفقاً لمكاتبات رسمية بخصوص نقل المواد الخاصة بالشركة المنفّذة لكبري المك نمر ويعتبر المجرى الذي كانت ترقد فيه البوردين هو الأنسب لنقل معدات الكبري خصوصاً وان الجسم الحديدي (للبوردين) كان مثقلاً بالطين والتراب مما يصعب ترحيله من مكانه، ولذلك تم اللجوء إلى تقسيم الجسم الحديدي ولقد كان ذلك في عام 2004م»، وأبصرت على الجسد الحديدي العجوز ممزق الأوصال وبصري معلق بالسطح وبين الجنبات في عمق اكوام الحديد وانا ابحث بين الركام عن اثر لأحزية الطلاب الحربيين الذين حبسوا فيه او شيء يمكن الاحتفاظ به. لقد فتحت الاجزاء المقسّمة من الباخرة (بوردين) الباب مشرعاً لتساؤلات عديدة؟ هل كان ل(بوردين) اثر تاريخي بعد أكثر من مائة وعشرين عاما؟ ومن هو صاحب الولاية عليه؟ أم أنه كان عبارة عن كوم من الحديد الخردة؟ وهل ينطبق الحال نفسه على الباخرة (ملك)؟ وأين يقية البواخر النيلية التي جاءت في حملة أعادت فتح السودان. والشاهد أن الأمر لا يخلوا من التعقيد كما يرى الأستاذ حيدر حامد نائب الأمين العام للهيئة القومية للمتاحف والآثار والمسؤول عن أمانة الترميم الأثري بالهيئة حين قال «إن قانون الآثار يعتبر كل المقتنيات التي مرّ عليها أكثر من مائة عام هي أثر يجب المحافظة عليه وتكون ولايته للهيئة القومية للآثار مع إعطاء التعويض المناسب لصاحب الملكية الخاصة، ولهذا فإن الباخرة (ملك) والباخرة (بوردين) تعتبران جزءاً من المقتنيات الأثرية الخاصة لحكومة السودان وبما أن هذه المقتنيات تعتبر من القطع الحربية لذلك فهي تكون تحت وصاية المتحف المختص وهو المتحف الحربي في هذه الحالة». ويضيف حيدر «أن الملكيات الخاصة في بعض الأحيان تحول دون المحافظة على القطع والأشياء الأثرية فنحن لم يتم اخطارنا بأمر تقطيع الهيكل الحديدي (للبوردين) إلا بعد أن تم التقطيع فعلاً». وهنالك عدد من البواخر النيلية كانت في صحبة (ملك) و(البوردين) أثناء حملة كتشنر لا تزال موجودة ولكن المعلومات الحقيقة عنها ليست كاملة، فالأمر يحتاج الى درجة من الوعي بالقيمة الأثرية لما هو في حوزتنا وهذا الأمر ينطبق على كثير من المباني الحكومية الآن وهي وفقاً للقانون تتبع للآثار. ويضيف العميد عمر النور مدير المتحف الحربي في نفس الاتجاه قائلاً: «لقد كانت لتحركات جمعية الباخرة (ملك) في بريطانيا دور في لاهتمام بها كآخر المقتنيات الحربية الأثرية المهمة. ولكن دخول البريطانيين في حط أزمة المقتنيات الأثرية في السودان لم يكن مفاجئاً وإن حمل كثيراً من المتغيرات كما قال عبد المنعم مدحت، لقد كانت صيانة الباخرة (ملك) عبئاً ثقيلاً على إمكانات نادي الزوارق، فخلال فترة الستينيات كانت تكلفة صيانة (ملك) وصلت إلى (160) جنيهاً وكان المبلغ ضخماً ولم يستطع النادي إجراء الصيانات الكاملة للباخرة وكنا نقوم بإجراء الصيانات الأولية بوضع أجزاء من الأسمنت في المناطق المتآكلة وبعد فترة الثمانينيات تم اطلاق (نداء ملك) لكل المهتمين بالباخرة وعلى ضوء ذلك تم تكوين جمعية (ملك) في بريطانيا وفيها أعضاء من النادي وأحفاد الضباط الذين كانوا في حملة (كتشنر). لقد قامت جمعية (ملك) بإجراء العديد من الخطوات التي ترمي من قرائها إعادة هذه الباخرة للحياة والاحتفاظ بها في بعض الأحيان، ويقول مدحت :«لقد تقدمت جمعية (ملك) بشراء الباخرة من نادي الزوارق بملغ ضخم في فترة الثمانينيات، بالإضافة إلى أن العرض كان يحتوي على تحويل نادي النيل الأزرق للزوارق إلى نادٍ
عالمي متكامل، لكن النادي رفض لأن الباخرة أصبحت جزءاً من الآثار الوطنية بنص القانون. لقد تعددت العروض التي قدمتها جمعية (ملك) في بريطانيا للحصول عليها وكان من ضمنها صيانتها وعرضها في نهر (التايمز) باعتبارها من أهم الآثار العسكرية البريطانية الخاصة باللورد كتشنر وإعادتها للسودان بعد ذلك ولكن الحكومة رفضت أن تخرج آثارها، فظلت جمعية (ملك) في تقديم عروضها وتقودها مجموعة من اللوردات أحفاد الضباط الذين كانوا على متن الباخرة في حرب النهر إلى أن أصدرت الحكومة القرار الجمهوري رقم (5) بتشكيل لجنة صيانة الباخرة (ملك) عبر وزارة البيئة والسياحة في اكتوبر من العام 2000م والذي ضم ممثلين من النقل النهري والموانئ البحرية والسكة الحديد والهيئة القومية للمتاحف والمتحف الحربي وجمعية (ملك) ونادي الزوارق وخلصت النتائج إلى أن الباخرة تحتاج إلى مبلغ ضخم، ومن ثم كوّنت لجنة أخرى في العام 2004م وظلت المفاوضات ما بين الجمعية والجهات المسؤولة عن الباخرة مفتوحة ويقول العميد عمر النور موضحاً آخر عروض الجمعية.. «لقد تقدمت جمعية (ملك) بالتكفّل بجميع متطلبات صيانة الباخرة في السودان بعد أن قام خبراء من المتحف البريطاني بزيارة ورش النقل النهري والمتحف الحربي على أن يتم استغلال الباخرة ضمن واحد من المقترحات التي تقدمت بها الجمعية والمتمثلة في استغلال الباخرة كمتحف حربي وهي جاسمة على النيل أو تحويلها إلى كازينو سياحي على النيل ليأتي إليه السياح أو أن تصبح الباخرة متحفاً عائماً يقوم بجولات على النيل وهي بكامل أسلحتها وبنفس تقنيات عصرها، ولقد وافقنا على هذا المقترح وسوف تقوم الباخرة بعد إعادة تعويمها برحلات ما بين موقعها الحالي على النيل وموقع البجراوية الأثرى على نهر النيل شمال الخرطوم، وقد سلمنا الجمعية في 17 يناير 2007م الموافقة ونحن في انتظار البريطانيين. لقد أضحى من الممكن الآن الحديث عن إيقاف التآكل المستمر في الباخرة ملك أو بعبارة أكثر دقة زورق كتشنر الحربي الذي يجسو الآن مندساً بين الأشجار في نادي الزوارق بالخرطوم بعد أن بدأ يميل على جانبه الأيسر لتوفر الظروف التي أدت لتلاشي أجزاء من جسده الحديدي، ورغم ذلك فإن خبير الترميم الآثاري حيدر حامد يقول إن إمكانية إعادة (ملك) للحياة أمر في الإستطاعة وكذلك الباخرة الحربية البوردين رغم تقطيع أجزائها ولكن هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من المال، وفي الغالب أن عمليات صيانة الآثار تحتاج إلى جهات أخرى غير الحكومات لأن الأمر مكلّف. لقد استطاعت جمعية ملك للوصول إلى صيغة اتفاق مع الحكومة السودانية بخصوص (ملك) وقد تصدّر موقعها على الانترنت (NEILK. ORGE.U.K) بعض نصوص الاتفاقية في صفحتها الأولى بالإضافة إلى مجموعة الصور والموضوعات عن الباخرة, والقادة الذين كانوا على متنها وهي ترسو على النيل قبالة القصر الجمهوري بعد كرري لينزل منها كتشنر ويقيم الصلاة بين الركام على روح غردون والدماء لم تجف بعد في شوارع أم درمان. تحقيق: أمين أحمد

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.