لم تعد الحكومة السودانية تخفى اتجاهها للتخلص من قوات يونمس (Unmis) والتي جاءت بحسب بنود اتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير 2005م بقرار مجلس الأمن رقم (1590) وذلك في 24 مارس 2005م أي بعد توقيع الاتفاقية بشهرين وذلك بغرض دعم تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار والتحقق من الانتهاكات والتنسيق بالاتصال بالمانحين ومراقبة سير تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، ومن المعلوم أن يونمس تتكون من مبعوثي دول عديدة تستظل بمظلة الأممالمتحدة ولهذا فإن بعض ممثلي هذه الدولة ينفذون أجندة خاصة بدولهم بجانب عملهم الرسمي مما نتج عنه ما شاع في الإعلام باسم انتهاكات يونمس وهي انتهاكات لم تسلم منها بعثات الأممالمتحدة من مختلف دول القارة الإفريقية بصفة خاصة ولعل هذه الانتهاكات هي التي أشار إليها أحمد إبراهيم الطاهر رئيس الهيئة التشريعية القومية عندما شن هجوماً لاذعاً عليها وذكر أن تفويضها سينتهي بنهاية الفترة الانتقالية في 9 من يوليو 2009م وقطع الطاهر الطريق أمام من ينادون بتمديد التفويض لهذه القوات قائلاً لا مجال لتمديد مهمتها أو إعادة ترتيبها، وذكر الطاهر أن هذه القوات عاجزة عن حماية نفسها مما يعنى أنها أصبحت عبئاً على الحكومة حيث توفر لها الأمن والحماية وأضاف أن هذه القوات سمعتها سيئة في القارة الإفريقية وذلك لأنها متهمة بممارسات الفساد المالي والأخلاقي. وأشار إلى إن ذلك حدث في جنوب السودان وقال إن هذه القوات جاءت كي تضر بالسودان وقطع بأن هذه القوات ستخرج بعد انتهاء فترة تفويضها . ويرى المراقبون أن وجود القوات الدولية لايأتي إلا لمصلحة دول الاستعمار والتي لها عدد من المبعوثين في هذه القوات (يونمس) وان هذه الدول تحقق أجندتها عن طريق مجلس الأمن والذي بدوره يحقق لهذه الدول مصالحها. وشكلت هذه البعثة عبئاً كبيراً على السودان إذ ظلت ترسل إشارات سالبة عن الوضع في السودان وذلك عبر التقارير التي توردها من حين إلى أخر تصور الوضع بصورة سالبة، وقد سبق لهذه البعثة أن أوردت معلومات عن الوضع في أبيي صورت فيه المنطقة بالحالة المتردية حيث ذكر نائب الناطق باسم البعثة قويدار زروق أن الأوضاع في أبيي لا يمكن أن توصف بالعادية لأن مدينة أبيي أصبحت كصحراء مما يعد مؤشرا لعدم حياد البعثة، إذ لم يسبق لمنطقة أبيي أن تم تدميرها أيام الحرب فكيف تدمر بعد اتفاقية السلام وهذا إن دل على شئ إنما يدل على أن بعثة يونمس لم تأتي لتحفظ السلام بل لم تمارس مهمة حفظ السلام وظلت أداة من أدوات المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين ويتدخل في شئون السودان ليحقق بذلك مصالحه. وبعد خمس سنوات من وجود هذه البعثة في السودان تبين للحكومة السودانية أن هذه البعثة لم تأتي من أجل مصلحة السودان وحفظ السلام ، وكما هو معلوم فان الوجود الأجنبي يستند على اتفاقيات ومواثيق، لذلك فإن الوجود العسكري لبعثة يونمس يستند على تفويض محدد ونطاق انتشار محدد لهذه البعثة حيث يستند تفويضها على مراقبة تنفيذ اتفاق السلام في الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي بجانب كتيبة واحدة لتأمين رئاسة البعثة في الخرطوم وهذا التفويض مخول لها بموجب الفصل السادس ومن المفترض أن ينتهي تفويضها مع نهاية الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو 2011م وقد أقرت الحكومة بنيتها طرد هذه البعثة حال انتهاء تفويضها لعلمها بأن هذه البعثة لم تأتي يوماً لمصلحة السودان والمحافظة على أمنه وسلامه. وقد تحدث إلينا القانوني عمر عبدالله الشريف قائلاً:إن بعثة يونمس جاءت في الأصل لحماية اتفاقية السلام الشامل وبالتالي جاء حوالي (10) ألف جندي تحت مظلة الأممالمتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار وسير تنفيذ الاتفاقية ، لذلك فبمجرد انتهاء الفترة الانتقالية بعد إجراء الاستفتاء فإن تفويض هذه البعثة قانوناً قد انتهى، ولايوجد مبرر للتجديد لها وإذا حدث تجديد من الأممالمتحدة فإن ذلك يكون باتفاق بين الأطراف وموافقة الحكومة، لكن هنالك حالة ثانية وهي إرسال قوات بموجب الفصل السابع إذا كانت هنالك مهددات للسلم والأمن الدوليين ويأتي هذا عن طريق تدخل مجلس الأمن الدولي، لكن في حالة عدم وجود ما يهدد الأمن والسلم فإنه لا يوجد وضع قانوني لهذه البعثات الدولية إذا انتهى تفويضها لأن مهمة يونمس في الأساس لوقف إطلاق النار ومراقبة ذلك بجانب المراقبة ومنع الاحتكاك بين الجهتين حسب الاتفاقية والبرتوكول، فالآن هذه البعثة موجودة في أبيي نسبة لوجود بعض الاحتكاكات وهي موجودة لمراقبة الوضع السائد لا غير، لكن وضع ابيي الآن لا يقلق ، والذي يقلق هو أن تكون تحركات هذه البعثة إلى أبيي تتبعها تحركات أكبر. وقد اتفق معه في ما ذهب اليه الأستاذ كمال الجزولي المحامى حيث ذكر أن وضع يونمس من الناحية القانونية هو أن تغادر البلاد فور انتهاء تفويضها ولا يوجد ما يدعو إلى التمديد لها أو التجديد حيث أنها جاءت من أجل اتفاقية السلام وينتهي أجلها بانتهاء تفويضها. أما د. محمد عثمان أبو ساق فقد تحدث إلينا بقراءة سياسية قائلاً:(إن بعثة يونمس بعد انتهاء تفويضها لايوجد ما يبرر بقاءها لأنها في الأساس جاءت لكي تحافظ على الأمن وهذا لم تقوم به، وكان لوجودهم تحفظ منذ البداية، لكن الآن هناك تخوف من تحويل هذه القوات إلى قوات دولية والسودان لم يرضى بهذا الوضع لأن يونمس الآن لم تأتي تحت البند السابع لذلك بعد انقضاء أمدها لا يوجد ما يستدعى بقاءها في السودان حتى لاتصبح مجال للضغط والنفوذ الدولي على السودان.