تدرجت الحركة الشعبية في تصريحاتها التي تسفر فيهل عن انحيازها لخيار الانفصال رغم مخالفة ذلك لروح اتفاق السلام، إذ بدأت بالادعاء أن غالبية الجنوبيين يميلون إلى الانفصال، ثم حددت النسبة ب90%. أما رئيس الحركة فقد تأرجحت أقواله حسب المناسبة، فهو تارة يؤكد أن سيصوت للوحدة في صندوق الاقتراع، وأخرى يخاطب الجنوبيين أن تصويتهم للوحدة سيجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، وعندما يكون مع رجال الكنيسة يتحدث عن الانفصال. وأخيراً أكدت الحركة الشعبية لتحرير السودان علناً للمرة الأولى أنها ستدعو سكان الجنوب للتصويت لخيار الانفصال خلال استفتاء تقرير المصير في يناير المقبل، بدعوى أنه لم يتم العمل على جعل الوحدة جذابة من قبل الحكومة. والانطباع الأولي عن هذا الموقف هو أن الحركة أرادت أن يكون موقفها سيفاً مسلطاً على رقاب المواطنين الجنوبيين، بأن يتم تصويتهم إلى الخيار الذي تريده قيادتهم، المركز السوداني للخدمات الصحفية قام باستطلاع وسط السياسيين لمعرفة تبعات هذا الإعلان والدوافع التي جعلت الحركة تتبناه في هذا التوقيت.. ما الجديد؟ يبدو أن هذا الإعلان مفاجئ لم يكن للأوساط السياسية سيما الجنوبية منها، لعلمها التام بما تقوم به الحركة خلال فترة الاتفاقية، حيث تحدثنا إلى د. لام أكول أجاوين رئيس الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي لكنه أبدى رفضه التعليق عن إعلان الحركة لدعمها للانفصال مكتفياً بالقول: ما هو الجديد في هذا الأمر والكل يعلم مواقف الحركة الشعبية.. هذا الإعلان ليس غريباً أو جديداً. رؤى سلبية ويرى المحلل السياسي د. مرتضى الغالي أن إعلان الحركة لدعمها للاستقلال يعبر عن رغبتها في الانفصال، وقد بدأت هذه الرغبة في رؤى سلبية لقيادات الحركة الشعبية وجدت نقداً من شريكها المؤتمر الوطني وبقية القوى السياسية في الشمال، باعتبار أن الاتفاقية نصت على جعل خيار الوحدة جاذب، وعدم التغيير من الوحدة وعدم الدعاية للانفصال، وأن يكون العمل من أجل الوحدة لتكون هي الخيار الأول، لكن في الآونة الأخيرة تبلورت الآراء وأصبح صوت الانفصاليين عالياً في الجنوب والشمال، الأمر الذي جعل الأثر واضح على قادة الحركة والوطني. وأضاف الغالي: هذا الإعلان من شأنه أن يوعظ الناخب الجنوبي بحتمية الانفصال وإيصال رسالة للناخب الجنوبي بأن الانفصال واقع لا محالة، وبالتالي حثه على العمل من أجل تحقيق رغبة من يعمل لأجل الانفصال. وأثر هذه الدعوات على الاستفتاء أنه إذا صوت الناخب الجنوبي للوحدة وعرف عنه ذلك فإن ذلك يعني أن بعض الجنوبيين لديهم ميول للوحدة، وسوف ينعكس ذلك على التعامل معهم إذ سينظر إليهم عندها نظرة أخرى، لكن يكمن الخطر في سير عملية الاستفتاء وشكلها وما يمكن أن يعتريها جراء هذا الإعلان. خيانة الوحدة ومن ثم تحدث إلينا ديفيد ديل جال الأمين العام لحزب جبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة قائلاً: إن إعلان الحركة دعمها للانفصال الآن يرتكز على عدة أسباب تتلخص في أنها علمت تمام العلم بأن الجنوب ليس مهيأ لاستقبال الاستفتاء المزمع قيامه في يناير 2011م، ولا يخفى على أحد تنصل الحركة الشعبية من واجباتها وخير دليل على ذلك إلغاءها لأمر الدورة المدرسية.. الحركة الشعبية خضعت لضغوط القوى الأجنبية ولا يمكنها أن تدعو إلى وحدة السودان، فالوحدة أو الانفصال قرار لا تملكه الحركة، بل هو مرهون بأيدي أجنبية. وقد اعتادت الحركة على بيع مواطنيها والمحاربين القدامى كما حدث لأبناء جبال النوبة والنيل الأزرق. واعتبر جال أن إعلان الحركة لمثل هذا الدعم يعتبر خيانة لشريكها الوطني وخيانة لاتفاقية السلام الشامل (CPA) ويتضح من خلال الإعلان أن مشروع الحركة منذ العام 2005م وحتى الآن مشروع اتسم بالفشل الذريع وخيانة الوطن والوحدة الجاذبة، واختتم جال حديثه بالتأكيد على أن الغرب وراء كل تحركات الحركة الشعبية. هروب للخلف القيادي بالمؤتمر الوطني د.ربيع عبدالعاطي اتهم الحركة الشعبية بالكذب والمخادعة، فهو يرى أنه بنود الاتفاقية التي اتفق عليها الزعماء في الشمال والجنوب نصت على استغلال السنوات الخمس السابقة للاستفتاء في جعل خيار الوحدة خياراً جاذب للجنوبيين، وقد التزم مسئولو الحركة بهذا الخط علناً في السنوات القليلة الماضية قائلين بأنهم سيتركون الفرصة للجنوبيين لإتخاذ قرارهم، ووفقاً لنص المادة (101) فإن وحدة السودان ستقوم على أساس إرادة حرة لأبناء الجنوب. وأضاف عبدالعاطي بأن حديث الحركة عن دعم الانفصال ليس فيه جديد لأنها ظلت تروج له من وقت ليس بالقصير، ولذلك يعتبر إعلانها تهرب وتنصل من اتفاقية السلام الشامل ووحدة السودان الجاذبة. قمة الخروق أما القانوني عبدالله الصافي فقد كان رأيه أن إعلان الحركة الصريح بدعمها لخيار الانفصال وحثها الناخب الجنوبي للإنحياز له خروج صريح على نصوص الاتفاقية التي ألزمت الشريكين بأن يكون دعمهما للوحدة قبل الانفصال، وبمثل هذا التصريح يعتبر الصافي أن الحركة بلغت قمة الخروق لاتفاقية السلام، الأمر الذي يجعل منها الآن حكماً غير نزيه على إرادة المواطن الجنوبي في خياره حول الوحدة او الانفصال، الأمر الذي ينعكس على أن يفتقد مشروع الاستفتاء أهم عناصره ألا وهو النزاهة مما يجعله يخرج من مضمونه ومبادئه، وكأنما هو الآن قرار مصوب من الحركة مستغلة في ذلك سلطتها العسكرية والمالية والإدارية على المواطن الجنوبي لتزوير إرادته. ومن ناحية القانونية فإن هذا الاستفتاء سيصبح منعدم الأثر بسبب هذا التدخل السافر في تزوير إرادة الناخب الجنوبي، وقال إن هذه الحيثيات تعطى كل مواطن وحزب سياسي الحق في أن يطعن في نزاهة الاستفتاء، وان يتحلل من أى نتائج تتمخض عنه، وهذا الأمر بلا شك سيصد الوطن إلى الدوامة التي كثيراً ما نتخوف منها والتي لا تنتهي بالمغالطات أو عدم الاعتراف، إذ ربما تعيدنا إلى الحرب سواء كان ذلك بين الفصائل الجنوبية التي تلاحظ مسلك الحركة ، هذا إذا لم تنجر الأمور إلى موقف واضح برفض الاستفتاء والتهيؤ إلى كل الاحتمالات بما فيها الحرب.