الرأي العام (أنا جار للسودان منذ كنت شابا يافعا) بهذه العبارة المدهشة استقبل قوردون براون رئيس وزراء بريطانيا ظهر أمس الثلاثاء وفد الحكومة السودانية بمقر إقامته الرسمي ب تن داونينج استريت (منزل رقم عشرة بشارع داونينج) ويتكون الوفد من دينق الور وزير الخارجية والدكتور مصطفي عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية والسفير خضر هارون مدير الإدارة الأوربية بوزارة الخارجية وعمر صديق سفير السودان بالمملكة, وقام الوفد بتسليم رئيس الوزراء رسالة خطية من الرئيس عمر البشير, كما حضر اللقاء اللورد ملك براون وزير الدولة للخارجية البريطانية ومسئول ملف السودان.وجرى اللقاء في جو من التفاؤل والود ذكر فيه السيد براون أن علاقته ومعرفته بالسودان بدأت عندما كان شابا يافعا حيث كان يجاور في السكن شاباً آخر سودانيا يتذكر عنه السماحة والمعاملة الحسنة، وفي الجانب الرسمي قال إن حكومة المملكة المتحدة تنصب جهودها في إعادة العلاقات السودانية البريطانية إلى سابق عدها التاريخي لما يربط بين البلدين والشعبين من أواصر صداقة وعلاقات حميمة وأنهم يعملون بشدة لدعم تحقيق السلام في ربوع السودان كافة من خلال دعم مسيرة السلام الشامل والمساعدة في تحقيق السلام في دارفور وطلب من الحكومة السودانية العمل بصورة بناءة من اجل دعم جهودهم في ذلك الإطار الذي يؤمن بان حكومة السودان ستبذل جهدا مقدرا للإسهام فيه والثقة بالآخرين الذي يمدون يد العون إليها, وفد السودان من جانبه سلم الرسالة الخطية الموجهة من الرئيس عمر البشير والتي تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها وطلب العون من حكومة المملكة المتحدة في الإسهام بفاعلية في مسيرة السلام من خلال الوفاء بالتزاماتها السابقة تجاه المانحين أو من خلال لعب دور ايجابي كشريك فاعل له نفوذ في المجتمع الدولي, كما قام الوفد بشرح مهمته التي هو بصددها وعرج على الاجتماعات التي سبقت لقاء رئيس الوزراء من لقاء مع مسؤولين والمعنيين بالملف السوداني في الحكومة البريطانية إلى لقائهم بوزير الخارجية البريطاني السيد ديفيد ميليباند الذي التقاه الوفد على طاولة اجتماعات رسمية بمكتبه بوزارة الخارجية أمس الأول, إلى متابعة التفاصيل مع اللورد ملك براون الوزير المختص في شؤون السودان, ومن ثم ختم الاجتماع بتوجيه الدعوة لرئيس الوزراء بزيارة السودان والاطلاع على حقائق الأوضاع على الأرض بنفسه ومن جانبه فقد شكرهم على الزيارة وأرسل عبرهم شكره للرئيس البشير على الرسالة وتمنى للوفد أن تكلل مساعيه بنجاح المهمة التي هو بصددها, واتفق الطرفان على ترك تفاصيل أجندة الزيارة للجان القائمة والتي تعكف منذ ثلاثة أيام على انجازها.جاء اللقاء بتمهيد استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع من رسائل متبادلة بين وزارتي الخارجية في البلدين والوفود المتبادلة والعمل المشترك في الخرطوم ولندن, ومع التوقيت العصيب الذي تمر به حكومة السيد براون وهو الانشغال بالإعداد للانتخابات المحلية والتي تأتي في ربيع هذا العام وتتصاعد حممها حتى صيفه وهي فترة تترك فيها الحكومة الجاثمة في داونينج استرتيت عادة الأجندة الخارجية وتنكب على العمل الداخلي التنظيمي لصفوف حزبها أو الخدمي لمواطنيها وتعمد إلى إسقاط أي أجندات قادمة من فوق البحار «over seas » ولا تقترب من التعاطي في الشأن الخارجي إلا بما يشكل عليها ضغوطا مباشرة أو ما يمكن استخدامه ككروت انتخابية, فقد مثل قبول الدعوة في هذا التوقيت التأكيد بأهمية الأجندة المطروحة وضرورة العمل فيها بأسرع ما يجب أو يكون.ويعتبر اللقاء بكل المقاييس خطوة متقدمة في سياق تطور عودة علاقات السودان الخارجية إلى مسارها الطبيعي والصحيح وذلك لما للمملكة المتحدة من نفوذ وصولجان على بقية دول العالم أو ما يعرف بالمجتمع الدولي وبالبديهي لما يملكه براون رئيس وزرائها وصاحب القرار التنفيذي والسياسي الأول ببريطانيا العظمى كما يحب لهم تسميتها, الدلالة الأولى للحادث هو انه ولأكثر من عشرين عاما ونيف لم يدخل المنزل رقم عشرة شارع داونينج استريت أشهر المنازل بالمملكة المتحدة وفد سوداني رسمي يحمل رسالة من رئيس الجمهورية إلى رئيس وزراء المملكة المتحدة, الطريقة المرحة التي استقبل بها رئيس الوزراء ضيوفه كسرت مهابة وحاجز اللقاء الرسمي بتلك الصورة الودية التي قرر رئيس الوزراء استهلال استقبال ضيوفه بها لتمضي قرابة الأربعين دقيقة من الحوار المتصل والذي شابه كثير من المرح كسر حاجز الجمود والرتابة التي أعد لها الضيوف أنفسهم بما تعودته وفود السودان من حكام الغرب من عجرفة وإسداء نصائح والتعبير عن النظرة المتعالية التي لا ترى في ضيوفهم إلا طالبي معونات أو مساعدة بالمال أو النصح, وفد السودان نفسه كان منسجما ومتماسكا وبدا بروح فريق واحد يمثل بلدا واحدا وله مطلب محدد مما سهل مهمته ليس في لقائه برئيس الوزراء فحسب بل حتى على مستوى اللقاءات الثنائية في الخارجية أو المسؤولين عن ملف السودان أو دوائر صنع القرار الأخرى أو هكذا تبدى من خلال النتائج التي رشحت من اللقاءات والتسريبات والتصريحات المباشرة التي أدلى بها المسؤولون الغربيون لأجهزة الإعلام المختلفة, من العلامات الواضحة أيضا في هذه الزيارة أن المسؤولين البريطانيين بدوا أقرب واقعية ولديهم مساحة من الصبر والترحيب لسماع وجهات النظر المتعارضة مع رأيهم والتي تمثل في مجملها صوت الحكومة وبدت حواراتهم اقرب إلى الموضوعية والتفاعل وليس مثل سابقاتها التي كانت تفترض بالآخرين فقط التأمين على رأيها والمتابعة الذيلية لها دون اعتبار لأي رأي آخر خصوصا إذا تعارض مع ما تسلم هي به وقد كانت تتبنى إدارة بلير صوتا إن لم يكن هو للمعارضة خاصة في موضوع السلام في جنوب السودان ودارفور فهو على الأقل وبالتأثير الأمريكي عليها هو معاد ومناهض لموقف الحكومة السودانية وقتها, ولكن كشفت هذه الزيارة أن هناك تغيراً كبيراً في الأجواء والسياسات وليس في الأشخاص والأسماء فحسب فمن واجب الحكومة السودانية التمسك بهذا الخيط ومتابعته والعمل على توسيع هذه الفرصة واستغلالها إلى ابعد مدى ممكن كما يجب العمل بصورة بناءة وفعالة تنطلق من مرتكزاتنا الوطنية وثوابتنا القومية التي تخدم أجندة البلاد ومصالح العباد, ليكون هذه المرة دخول وفد حكومة السودان الي المنزل الذي يحمل الرقم عشرة بشارع داونينج استريت المقر الرسمي لرئيس حكومة جلالة المملكة بلندن حدثا له ما بعده. عبد الغني أحمد إدريس