في نهج علمي إتسم بالشفافية تناولت ندوة علاقات السودان الخارجية في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التى نظمها مركز الراصد للدراسات الإستراتيجية، إخفاقات السياسة الخارجية خلال العقدين الماضيين، المتمثلة في تهديد مصالح الدول الكبرى ورفع شعارات بنبرات حادة، وإنتهاج أسلوب الوصاية على جيراننا، وتعليق أخطاءنا على المؤامرات الخارجية والتعامل بسياسة ردة الفعل الغاضبة. أقرت الندوة التي تحدث فيها كوكبة من السفراء بأن صورة السودان مشوهة خارجياً.. تشويه لشجرة أصلها في الداخل وفرعها في الخارج ، حيث أن ممارستنا الداخلية "طرد المنظمات الطوعية مثالاً" وغيرها يتطلب أولاً الإصلاح من الداخل بتطبيق القانون. الندوة أستعرضت معاداة العالم للسودان التي بدأت منذ عام 1991م عند تصنيفه مع دول الضد، تدهور علاقة السودان مع صندوق النقد والبنك الدوليين 1993م ، محاولة إغتيال حسني مبارك 1995م ، 1997م أول دولة تفرض عليها عقوبات من مجلس الأمن بعد سلسلة من القرارات.. وقد بدأت المصالحة مع العالم بعد فبراير 2000م وزيارات البشير الخارجية لاسيما لدولة الكويت في أبريل من نفس العام. إقليمياً لا يوجد للسودان وجود فعلي في الإتحاد الإفريقي، ويسجل غياباً في وظائف الجامعة العربية العليا أو الوسيطة، ويعاني من ركود في التوجه العربي نحو السودان في ظل حصار من دول الغرب، وآثار إدراج إسم السودان راعياً للإرهاب. الدكتور حسن عابدين أستاذ التاريخ بجامعة الخرطوم وكيل وزارة الخارجية الأسبق سفير السودان الأسبق لدى المملكة المتحدة أكد على أهمية تناول أثر التغييرات الداخلية على علاقات البلاد الخارجية ، لاسيما مع الأتحاد الأوروبي كأكبر كتلة في العالم بعد الصين وروسيا، ونادى بضرورة وضع أستراتيجية للعلاقات السودانية الأوروبية كجزء من أستراتيجية قومية شاملة للسودان ، والحقبة الجديدة في تاريخ السودان المعاصر بعد الإنفصال. ملامح الحقبة الجديدة أو الجمهورية الثانية بعد إنقضاء فترة الجمهورية الأولى الممتدة منذ الإستقلال حتى يناير 2005م، بدأت بعد توقيع إتفاقية نيفاشا والتى جاءت كإنذار مبكر لنهاية الحكم الشمولي، وبداية التحول الديمقراطي عبر إتاحة هامش للحريات وحرية التنظيم والانتخابات والإستفتاء. ويؤكد مقدم الورقة في الندوة أن هذا التطور لابد وأن تصحبه مستحقات أخرى واجبة التنفيذ ، أبرزها وضع دستور جديد ورؤية إستراتيجية جديدة ليكون الدستور هو الإطار الفكري والسياسي والمرجعية للجمهورية الثانية.. دستور يكون البند الأول فيه البراءة من الشمولية والإلتزام بالديمقراطية ثقافةً وقيماً ونهجاً ومؤسسيةً ، والإلتزام بكفالة حقوق الإنسان السياسية والإقتصادية والإجتماعية. علاقات السودان الدولية لابد وأن تقف عند وضع رؤية مستقبلية لها على حصيلة التجربة الإنسانية المشتركة بين كل الشعوب الساعية لتحقيق نهضة سياسية والتغييرات الجذرية التي حدثت خلال العقدين الماضيين فى العالم ، وإنهيار الشمولية بإنهيار المعسكر الشرقي ونهاية الحرب الباردة، وما نتج عن ذلك من مصالحة تاريخية بين القطبين ، وثورة المعلومات والإتصالات التي جعلت من العالم قرية كونية، وجعلت من السيادة الكاملة للدول المستقلة على شئونها الداخلية سيادة منقوصة لا تحظر دخول الآخرين "دول وهيئات ومنظمات مدنية وغيرها" من مبدأ مسئولية الحماية، لاسيما في مجال حقوق الإنسان.. كما لم تعد قضايا التنمية الإقتصادية والإجتماعية مجرد واجبات وسياسات تتبعها الدول والحكومات، إنما صارت حقوقاً ضمن الحقوق الأساسية للإنسان لتحقيق أهداف الألفية الثالثة للتنمية. الندوة أمنت وبشدة على وضع رؤية إستراتيجية جديدة بموجهات جديدة تتطلب توحيد الخطاب السياسي الخارجي للسودان، والتفاعل مع الواقع الجديد وتفعيل الدوائر الإفريقية والعربية والإسلامية والُبعد عن سياسة المواجهة.. رؤية تتماشى مع التيار التوافقي لتكون جزءاً من هذا العالم ، وأقرت بأن السياسة الخارجية تنبع من وجدان التاريخ الثقافي والجغرافي والسياسي للشعب السوداني ، مما يتطلب قراءة هذا التنوع بصورة جيدة والإتجاه بكلياتها نحو توفير الديمقراطية، الحرية، المشاركة التشاور. دولة الجنوب الجديدة بحدودها الأطول بين دول الجوار تجاور خمسة ولايات فيها ولايات جنوبية، ضرورة أن تكون هذه الحدود مستقرة تدخل فى إطار الاستراتيجية ليس عبر الإجراءات الأمنية والعسكرية ، ولكن بخلق منافع ومصالح مشتركة بين المواطنين في طرفي الحدود. جددت الندوة إقرارها بمبدأ أن السياسة الخارجية تخدم المصالح السياسية، الاقتصادية والأمنية.. وأمنها لا يكون بمعزل عن الوضع الداخلي ، وهذا يستدعي ترقية التعاون الدولي وتغيير سياسة المواجهة والسعي لتحقيق التكامل الإقتصادي بين السودان والعالمين العربي والإفريقي. أما أوروبياً فعلاقة السودان مع الإتحاد الأوروبي السبعة والعشرين وفي ظل تراجع العلاقات الثنائية مع دوله أمام المعايير الجماعية للإتحاد ، فالسودان أحوج ما يكون في هذه المرحلة إلى مساندة معنوية سياسية، ومساعدات فنية وإستثمارات وإعفاء الديون.