تكتيك حذر كانت الحركة الشعبية قد استغلت توتر العلاقات بين الحكومة ومتمردي دارفور الموقعين على السلام عقب انتخابات عام 2010م حيث فقد هؤلاء الكثير من مناصبهم السياسية وبخاصة مني أركو مناوي الذي لم يعد كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية وأبو القاسم إمام الذي لم يظل باقياً في منصب والي غرب دارفور ورمت لهم الطعم بموالاتها والوقوف إلى جانبها في الحملة السياسية التي أعدتها لفصل الجنوب في استفتاء 2011م. وبالفعل هرع إليها مناوي الذي فقد السيطرة على قواته وفشل في تجميعها للبدء في عمليات الاستيعاب والدمج وكذلك رفض أبو القاسم إمام أن يؤدي اليمين الدستورية كوزير دولة بوزارة الشباب والرياضة وفضل الذهاب للبقاء في جوبا برفقة ربيبه أحمد عبد الشافع. بعد الاستفتاء وإعلان نتيجته أصبح وجود متمردي دارفور في جنوب السودان محل استفهام واكتنف الغموض وضعهم والحركة الشعبية تتلمس ملامح علاقتها بشمال السودان الذي أعلن رسمياً دعمه ومساندته لحكومة الجنوب في إنشائها دولة مكتملة الأركان. ما لبثت العلاقة بين الشمال والجنوب أن توترت بفعل النزاع حول مصير منطقة أبيي وتضارب التصريحات بشان النفط والعملة وقد لعبت الحركة الشعبية بشمال السودان دوراً كبيراً في تأزيم الموقف وذلك من خلال حملتها الانتخابية في جنوب كردفان، وتأزم الموقف كذلك جراء تصريحات باقان أموم وزير السلام بحكومة الجنوب والتي اتهم فيها حكومة الشمال بدعم فصائل متمردة في الجيش الشعبي. كل هذه التفاصيل الجديدة في علاقة حكومة الجنوب بجارها الشمالي جعلت الجيش الشعبي يتجه لمتمردي دارفور، وقد وجدت الحركة في متمردي دارفور ما كانت تجده دائماً وهو أنهم وسيلة سهلة الاستخدام وأنهم أداة ضغط فعالة في إزعاج الخرطوم أما متمردي دارفور فقد وجدوا المأوى والسلاح ولكن السؤال المطروح هو كيف سيكون الوضع بعد اكتمال انفصال جنوب السودان. محاولة بعث التمرد في عام 2008م كانت هناك دعوة من الحركة الشعبية لتوحيد حركات دارفور لم تعلق عليها الخرطوم وذلك حين دعت لما سمي شرازم حركة تحرير السودان وقد حاول صقور الحركة لم شمل المتمردين في ملتقى جوبا الذي اكتنفته السرية وأحاط به الغموض وقد اعتذر عبد الواحد عن الحضور لجوبا بينما حضر نائبه السابق خميس عبد الله أبكر من مقر إقامته بإحدى ضواحي أسمرا برفقة أحد ضباط المخابرات وحضر المقاتلون من الميدان في معية القائد صديق مساليت الذي رفض العمل تحت إمرة أحمد عبد الشافع فاغتالته استخبارات الحركة الشعبية مع مجموعة من أبناء دارفور واغتالت معهم رؤيتها في توحيد الحركات. إثر اغتيال صديق مساليت حاول محمد صالح حربة تكوين لجنة تحقيق بالتعاون مع أربعة قادة آخرين إلا أنها لم تجد ترحيباً من قادة الجيش الشعبي فذهبت مجهوداتها أدراج الرياح وقد ألقت حادثة اغتيال القائد صديق مساليت ظلالاً كثيفة على علاقة الجيش الشعبي بمتمردي دارفور. محاولة بعث التمرد تكررت مؤخراً عقب انتخابات 2010م وقبل إجراء استفتاء مصير جنوب السودان حيث استقطبت الحركة الشعبية مناوي مع مجموعة من مقاتليه أبرزهم القائد العام جمعة محمد حقار ورئيس هيئة الأركان محمدين بشر، بالإضافة لقادة سياسيين منهم علي نزايو النائب السابق في البرلمان ود. الريح محمود نائب مناوي وعبد العزيز عثمان سام المستشار القانوني للحركة، وذلك بهدف ممارسة مزيد من الضغط على حكومة الخرطوم للقبول بانفصال جنوب السودان مع أن حكومة الخرطوم لم تكن محتاجة لذلك الضغط وقد شهد العالم كله بنزاهتها في إجراء عمليات الاستفتاء والقبول بنتيجته التي عملت لأجلها الحركة الشعبية وحلفائها في الخارج. حلفاء الشر: حلفاء الحركة الشعبية خارج السودان هم من يقومون بتوجييها وهي تستجيب لهذه التوجيهات حتى وإن كانت ضد مصلحة المواطن الجنوبي وذلك لأن الحركة الشعبية اعتمدت في نشأتها وتطورها وتسليمها على حلفاء من خارج السودان دفعوا الكثير وبدأوا الآن يطالبون بالثمن ، وتشمل قائمة الحلفاء هذه دولاً عديدة وأجهزة مخابرات ومنظمات قد يطول تفصيلها ولكن أبرز الداعمين للحركة الشعبية الولاياتالمتحدة وإسرائيل ويوغندا التي تعمل كجسر إمداد لتوصيل الدعم الآتي من الخارج للحركة الشعبية انطلاقاً من كونها أقوى حليف للولايات المتحدة في المنطقة وقد بلغت قوة تحالفها أن اختارتها القيادة الأمريكية لتكون مقراً لقيادة القوات الأمريكية بالقارة (افريكوم) والتي اختيرت مدينة كامبا بشمال يوغندا لتكون مقراً لرئاستها. وقد بلغ التعاون بين يوغندا وجنوب السودان لدرجة جعلت رئيس هيئة الأركان اليوغندي يقوم بزيارة لمدينة جوبا بطلب من الحركة الشعبية للمساعدة في حسم المليشيات المنشقة بتحديد مناطق نفوذها عبر الاستطلاع تمهيداً لتوجيه ضربات عسكرية ضدها ينفذها سلاح الجو اليوغندي ويأتي هذا في وقت وعد فيه وفد إسرائيلي زار الجنوب في مارس 2011م بتقديم الدعم اللازم لحكومة الجنوب حيث اتفق الجانبان على بدء عملية باسم (مفيتزا شالوم) تشمل توفير الدعم العسكري والإنساني للحركة في منطقة أبيي بتكلفة 30 مليون دولار وفتح مكتب للارتباط الأمني لمتابعة الوضع في المنطقة. لسنا في حاجة لذكر أمثلة كثيرة لتوضيح تقاطع المصالح الأمريكية والإسرائيلية مع المصالح الصينية الفرنسية في المنطقة حيث تلعب يوغندا في موقع متقدم لتوجيه الحركة الشعبية وفي ظل المتغيرات الإقليمية تركز إسرائيل أكثر على دول مثل أثيوبيا، أوغندا وكينيا لفرض طوق أمني قوي على مصر والسودان من ناحية وتأمين مدخل البحر الأحمر في باب المندب عبر أثيوبيا وقواعد عسكرية إسرائيلية في جزر فاطمة التابعة لدولة اريتريا هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لإحكام طوق قوي حول مصر والسودان والتحكم عبر مياه النيل بدعم إنشاء السدود ولفت أنظار هذه الدول جنوباً لتنشغل عن التوسع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية واللبنانية وربما السورية إذا استمر تدهور الوضع السياسي والأمني في سوريا كما أن توسيع منافذ التبادل التجاري في أفريقيا أمر مهم لإسرائيل ويزداد أهمية في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه بعض الدول العربية عقب اندلاع ثورات شعبية فيها. أما الولاياتالمتحدة فدافعها الوحيد هو النفط ، ومؤخراً تسربت أنباء عن صراع صيني أمريكي على نفط الجنوب حيث وردت أنباء عن اتفاقيات شركات بترول صينية مع حكومة الجنوب وكذلك وردت أنباء أخرى عن دعم أمريكي لإنشاء خط أنابيب لنقل نفط الجنوب عبر كينيا للمحيط الهادي. المؤسف في الأمر أن حكومة الجنوب حريصة على مصالح الولاياتالمتحدة وأوغندا وإسرائيل أكثر من حرصها على مصالح شعبها التاريخية مع الشمال فاتجهت لهؤلاء وناصبت الشمال العداء بغير سبب وبدأت فعلياً في تسليح متمردي دارفور وإعدادهم للتحرك نحو دارفور الأمر الذي قد يشكل بداية جديدة للحرب خاصة بعد أن تمكنت الحكومة بفضل جهودها الدبلوماسية من قطع خطوط الإمداد التي تأتي من تشاد وأفريقيا الوسطى بينما تكفلت الثورة الليبية بقطع طريق الإمداد الآتي من ليبيا فلم يبق لمتمردي درافور إلا جنوب السودان كطريق وحيد للإمداد وتلقي الدعم وكذلك كمأوى يفرون إليه عندما يلاحقهم الجيش السوداني.