لا زالت التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية تواجه مواطني ولاية جنوب كردفان، بعد مرور عام كامل على الأحداث الأمنية والعسكرية التي وقعت بعد رفض الحركة الشعبية لنتائج الانتخابات التكميلية بالولاية، بدعوى وجود حالة من التزوير والتلاعب بنتائجها. وذلك بالرغم من تأكيد مراقبين دوليين ومحليين متخصصين على نزاهة الانتخابات، فضلاً عن حالة الارتياح الشديد التي أبدتها عدد من الدول والمنظمات الاقليمية ومنظمات الأممالمتحدة على خلفية نزاهة وشفافية العملية الانتخابية. لكن وقائع الأحوال التي تجرى بداخل أروقة الحركة الشعبية ومؤسساتها تشير إلى مرامي ومخططات مدروسة ومرسومة؛ تسعى لتنفيذها حتى لوجاءت نتائج الانتخابات التكميلية لصالحها بنسبة 100%، الأمر الذي يشير إلى وجود نوايا سيئة ظهرت بوادرها الأولية في عملية الإحصاء السكاني الذي شابه عدم القبول من أعضاء الحركة الشعبية المشاركين في حكومة الولاية آنذاك. كانت هناك مؤشرات تشير إلى سعي الحركة لتقلد زمام السلطة بالولاية عبر الحملات الانتخابية والشعارات التبجيلية وفتح مراكز الحملات بكافة أطراف الولاية، فضلاً عن توافد قيادات الحركة من جوبا ووقفتهم مع الحركة الشعبية بالولاية؛ بجانب محاولة استقطاب عدد من قوى المعارضة السودانية. فالحركة الشعبية كانت تخطط منذ وقت مبكر للاستحواذ والسيطرة على الولاية سياسياً وأمنياً وجغرافياً موظفة في ذلك صراع قيادات جبال النوبة داخلها، ومحاولة استمالة بعضهم حتى يتبنوا أجندات جنوب السودان كاملة. أبعاد خفية رسمت الحركة الشعبية مخططاً محكماً لتنفيذ أجنداتها التخريبية والتدميرية للولاية عبر عدة محاور وأهداف، ففي الوقت الذي كانت تخطط فيه السلطة المنتخبة بالولاية لإعلان التشكيل الحكومي الجديد، بمشاركة كانت متوقعة للحركة التى كان لها تمثيل في البرلمان الولائي، لكن قيادات الحركة الشعبية الموجودين بالجنوب وقطاع الشمال الذين كانوا حاضرين آنذاك سعوا للسيطرة على الولاية وضمها لخارطة الجنوبالجديدة بعد الانفصال، مدفوعين بخطط إقليمية ودولية ترعاها أمريكا وإسرائيل وحلفائهما. فكانت أولى المخططات استهداف مدينة كادوقلي بالطرق العسكرية وبقيادة مباشرة من الفريق عبد العزيز الحلو، والذي اعتكف بمنزله زهاء الشهر يرسم ويدرس ويخطط لتصفية قيادات المؤتمر الوطني والقيادات الحكومية الأخرى بالولاية. وكان ان قامت مجموعة مسلحة عبر عدة محاور باستهداف كادوقلي ومقرات حكومية واستراتيجية هامة، فضلاً عن محاولة اغتيال الوالي مولانا أحمد هارون أو اعتقاله لجهات معروفة، بالإضافة لآخرين من حكومته. فحدث ما حدث من خسائر في الممتلكات والأرواح، بجانب حالة التشرد والفوضى بين المواطنين، الأمر الذي انعكست آثاره على الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي بصورة مباشرة، بجانب بروز قضية الوضع الإنساني للسطح مجدداً. ومن هنا يلحظ المراقبون أن الحركة الشعبية تحاول رسم منهج تكتيكي يقوم على البعد العسكري الخفي، الذي تحيطه بعملية تفاوض وحوار سياسي غير مجدي في أهدافه وأفكاره، ليتفاجأ الجميع بأهدافها التخريبية والتدميرية إنفاذاً لأجندات دول معادية للسودان تحاول إضعاف دوره الإقليمي والمحلي واضعاف وضعة الاقتصادي بإدخاله في حالة حرب مستمرة. إفشال السلام.. من المسؤول؟ بعد المحاولات العسكرية الفاشلة التي قامت بها مجموعة الحلو والحركة الشعبية قطاع الشمال في مدينة كادوقلي، وعدم تمكنهم من السيطرة عليها؛ اتجهت لتأجيج الصراع في عدد من المناطق الأخرى والحيوية خاصة المناطق المتاخمة للحدود مع دولة الجنوب، لتنفيذ مخططاتها فى بعض القرى والمناطق بولاية جنوب كردفان. وقد ايدت القيادات العليا بالحركة الشعبية بجوبا الموقف التصعيدي الذي اتخذه قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو على المستوى الميداني العسكري، بحجة أن المؤتمر الوطني سعى لفرض هيمنته على مجمل الأوضاع بجنوب كردفان، تمهيداً لإضعاف وجود الحركة الشعبية بها والسيطرة على مناطق جبال النوبة كاملة، على حد وصف رموز الحركة الشعبية. لكن ثمة مبررات أخرى صاغها عدد من الخبراء العسكريين والأمنيين حول هذا الشأن، مشيرين إلى أن الحركة بهذه الخطوة التصعيدية العسكرية تريد تحقيق عدد من الأجندات والمكاسب السياسية بغية تأجيج الصراع ما بين الحكومة والقيادات النافذة من أبناء النوبة، علاوة على إنفاذ مخطط ضم المناطق المتنازع عليها، ومحاولة إفشال ما تبقى من اتفاقية السلام الشامل الموقعة في العام 2005م. وذهب الخبراء العسكريون ذهبوا لأبعد من ذلك؛ إذ يرون أن الأحداث العسكرية التي ارتكبتها الحركة الشعبية يراد بها تحقيق أهداف وأجندات دولية، بالسيطرة على المناطق الغنية بالثروات النفطية والمعادن، بجانب الاستيلاء على المناطق الزراعية ومناطق الرعاة وغيرها. مداراة الفشل بالفوضى بعد أن حاولت الحركة الشعبية لفت انتباه العالم والمجتمع الدولي والإقليمي والمؤسسات السياسية والإنسانية، باحتجاجاتها الواسعة ورفضها للعملية الانتخابية، صوب العالم أنظاره بصورة مباشرة وسعى لإيجاد صيغة تبرر احتجاج قادة الحركة الشعبية، فكان اللجوء إلى خيار الحرب في خطوة تصعيدية غير موفقة من قادة الحركة الشعبية. الموقف الحكومي الرسمي اعتبر أن الهجوم العسكري من قبل الحلو يأتي في صياغ ضغوط محلية ودولية مورست عليه بسبب فشله في إدارة شؤون عدة ملفات سياسية وأمنية لم يتمكن من تحقيق أي مكاسب حولها، مما دفعه إلى إحداث فوضى بالولاية في كل الاتجاهات، خاصة أنه تسلم أموالاً ومعونات طائلة بغية الاستحواذ على ولاية جنوب كردفان. السلطة.. لمن الشرعية؟ بعد الهجوم غير المبرر سعت الحركة الشعبية مدفوعة من جوبا بمحاولة إدراج قضية الصراع على السلطة بالولاية ضمن ملف القضايا العالقة مع دولة السودان، كورقة ضغط جديدة أملاً منها لكي في تراجع الحكومة عن مواقفها وسعياً لسحب شرعية حكومة مولانا أحمد هارون في ظل غياب الحركة الشعبية كشريك رسمي في الحكم بالولاية، وهو ما أدركته الحكومة التى كانت تتحسب للمخططات والأجندات المحلية والإقليمية التي تبنتها الحركة الشعبية وبالأخص قطاع الشمال. وفي هذا الشأن يرى كثير من الخبراء العسكريين ان قادة الحركة خاصة قطاع الشمال سعوا لهذا التخطيط العسكري بجنوب كردفان لممارسة مزيد من الضغوط تجاه الحكومة لكي تتراجع عن مواقفها التفاوضية نحو القضايا العالقة، خاصة ملف الأمن والنفط والحدود. ويشير الخبراء إلى أن الموقف أصبح معقداً وأشد خطورة بعد تطور الأحداث الميدانية، مؤكدين أن من الصعب تداركه، لأن تعدد الصراع وتجذره مع دولة الجنوب بعد الانفصال قد اتخذ مواقف متباينة، فضلاً عن أن جوبا صارت اللاعب الإقليمي الشرس في اتجاه الدفع بالمؤامرات. غياب البرامج والهوية بالرغم من سلوك الحركة الشعبية للحرب منذ يونيو العام الماضي إلا أنها لم تتمكن من تحقيق خطوات ملموسة في إحكام سيطرتها على منافذ الولاية التنموية والاستراتيجية، على حسب ماهو مخطط له، فعلى المستويين الشعبي والرسمي لم يكن لديها نهج تكتيكي واضح داخل الولاية، الأمر الذي يشير إلى حالة الانشقاق الأولى بين الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركة الشعبية الحزب الحاكم بدولة الجنوب. وعلى حسب رؤية الخبراء العسكريين فان مجموعة الفريق عبد العزيز الحلو ومعاونيه أدركوا خطورة موقفهم كجسم سياسي وتنظيمي بالحركة الشعبية الأم برئاسة سلفاكير ميادريت، فعكفوا على تجهيز أنفسهم بالسيطرة على مقاليد الأمور والحكم بجنوب كردفان بالسبل القتالية، كرد فعل على بقائهم بالشمال دون برنامج سياسي أو هوية محددة كما يرى محللون، إلا أن الفكرة أو المخطط العسكري لم يلق قبولاً في أوساط قيادات بحكومة جنوب السودان؛ فعبد العزيز معروف بعدائه للمؤتمر الوطني وبعض أعضاء الحركة المقربين لسلفاكير بالجنوب، لكن غياب التدقيق والتخطيط وضعف الخبرة حتى القتالية أسهمت في إفشال مخططات الحركة الشعبية بالسيطرة على جنوب كردفان. التغيير.. السلاح أم الحوار الخبير الاستراتيجي والأستاذ بجامعة الزعيم الأزهري محمد العباس لديه آراء مختلفة حول الصراع المسلح الذي وقع في ولاية جنوب كردفان؛ إذ يقول ان الموقف بعد الأحداث تطور كثيراً لأوضاع أكثر تعقيداً، فما كانت تسعى إليه الحركة الشعبية في جنوب كردفان لم يتحقق لها، لافتاً إلى أنه من الصعب إزالة آثار الأحداث في وقت وجيز. وبرغم ان الحكومة السودانية قد حسمت الموقف العسكري بنسبة عالية، (إلا أن غياب البرنامج السياسي الواضح فى اعتقادى هو الأشد خطورة) ، لأن العملية السياسية المشتركة بين الجانبين كما يقول العباس تشوبها عدم ثقة وتذبذب في المواقف التفاوضية، الأمر الذي دفع باتجاه اتخاذ النهج التكتيكي العسكري الميداني المباشر كخطوة أولى داخل الولاية. مشيراً إلى الموقع الجغرافي للولاية المحاذية للحدود مع دولة الجنوب جعلها ملاذاً آمناً للحركات المسلحة والجيش الشعبي، علاوة على ان المنطقة يتواجد بها عدد كبير من أبناء النوبة الرافضين في الأصل لسياسة عبد العزيز الحلو، بالإشارة لاستمرار اعتقال القائد النافذ تلفون كوكو أبو جلحة المتواجد حالياً بسجون مدينة جوبا. وتابع قائلاً: حالة التصعيد العسكري الميداني رسمت صورة قاتمة للحركة الشعبية خاصة على الصعيد الإقليمي والحلفاء، الذين كانوا يستعطفون أحوال وشؤون جوبا الداخلية، إلا أن الخطوة العسكرية التي اقدمت عليها جوبا قد أدت إلى اختلال التوازن بين متخذي القرار بأمريكا والحلفاء الغربيين. صراع الجغرافيا أما الخبير الأمني والعسكري حسن بيومي فيرى ان الحالة السياسية والاقتصادية والأمنية وكذلك الإنسانية بجنوب كردفان لم تتحسن بالرغم من مرور عام عليها، قائلاً: إن هناك أهداف سعى إليها الجانبان بعد الهجوم العسكري، خاصة الجانب الحكومي الرسمي الذي يعتقد ان منطقة جنوب كردفان تابعة له وليست محل نزاع جغرافي أو سياسي؛ لذا اتجهت الحكومة لمواجهة الهجوم من قبل المتفلتين بالقوة والدفاع عن النفس، معتبرة ذلك تعدي على منطقة تابعة لدولة السودان. ويمضي بيومي بالقول إنه بالرغم من اجتهادات الحكومة الأمنية والسياسية والإنسانية، إلا أن الحالة لازالت متدهورة، الأمر الذي ألقى بظلاله على الوضع الاقتصادي وهجرة العشرات من الشباب والمواطنين لمناطق أكثر أمناً، في ظل رفض الحكومة لدخول المنظمات الإنسانية العالمية للولاية. ويشير بيومي إلى أن غياب التمويل المتصل بالوضع الإنساني بالولاية تسبب في تعطيل عدد من المشروعات التنموية والاقتصادية، قائلاً: إن الدولة تفتقر إلى التمويل الذاتي نظراً للحالة الاقتصادية الصعبة علاوة على أن الوضع الأمني تصاعد كثيراً خاصة في الفترات الأخيرة مع استمرار اعتداءات الحركة الشعبية، كالهجوم على تلودي وهجليج وغيرها، مما ينذر بكارثة أمنية ستقود لتفاقم الأحوال بالولاية، بالرغم من استمرار الدبلوماسية التفاوضية بين الدولتين في عدة مناحي أخرى ذات صلة. الآثار والمعالجة وربط الدكتور محمد العباس الخبير الاستراتيجي تحسين الأحوال ومحاولة إعادة توطين السكان الأصليين، بإصلاح أحوالهم على مستوى التعليم وهجرة الشباب لمواقع أكثر أمناً، والاستعجال لتحسين الحالة الأمنية المستعصية، قائلاً: إن الوضع الأمني المتفاقم بالولاية فتح عدة جبهات داخلية، من بينها ظهور الحركات الدارفورية المسلحة وانضمامها للحركة الشعبية في الهجوم على الولاية. ولفت العباس إلى أن تأهيل المناطق المتضررة خاصة الغنية بالموارد والثروات الطبيعية واحاطتها بسياج أمني كثيف سيساهم في تحسين مستوى التعليم ويعالج قضية الأمية، محذراً من ان العام الماضي قد خلف ورائه جيلاً بلا هوية ولا أهداف بالولاية، وذلك بسبب النقص الحاد في التمويل الذاتي وعدم حل الصراع عبر الأطر الدبلوماسية العالمية والمحلية المشتركة . تعقيد الملفات ويقول العباس إن الأحداث الأمنية بالولاية خلفت ورائها ازدياد فى عدد حملة السلاح بصورة خطيرة، الأمر الذي فتح الباب أمام زيادة البؤر الجنائية، منتقداً الدولة والحكومة في عدم حسمها لهذه القضية كاملة بالرغم من مرور عام كامل عليها.. وتابع قائلاً إن اتجاه الحكومة والحركة الشعبية كخطين متنافرين اسهم اسهاماً كبيراً في تعقيد الملف الأمني والسياسي والإنساني، داعياً الأطراف لاتباع الحلول المرضية عبر التفاوض المباشر دون وساطة أو تدخلات إقليمية.. إلا أنه عاد وقال على الحكومة حماية ممتلكاتها وأراضيها التابعة وفقاً للأعراف والقوانين الدولية، وصد أي محاولات عدائية داخل أراضيها حتى يشهد العام المقبل تغييراً نوعياً وجذرياً على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، فضلاً عن تحسين الحالة الإنسانية المتفاقمة.