مدخل: في اليوم الخامس عشر من شهر رجب 1405ه الموافق السادس من شهر ابريل 1985م خرج الشعب السوداني بصورة عفوية في ثورة شعبية أطاحت بالنظام المايوي (25/5/1969- 5/4/1985م) ثم وقع ممثلو الأحزاب والهيئات والفعاليات السياسية التي قادت الجماهير ميثاقاً وطنياً تناول التزام الدولة وممارسة الحقوق والحريات وأجهزة الحكم والإجراءات الخاصة بالتشريع. الحريات: لعل قصر المدة التي تم فيها وضع الدستور الانتقالي ما بين انتفاضة 6 ابريل 1985م وحتى توقيع الدستور في 10/10/1985م وتأثر ممثلي الأحزاب بالانتفاضة الشعبية وثورته وروحها المتمثل في غضبة الشعب وحنقه على النظام المايوي حصر التزام الدولة وجهدها في تصفية آثار النظام ووعود إصلاح أجهزة الخدمة وحماية المال العام وإنقاذ الاقتصاد الوطني وحمايته ومحاسبة الذين تسببوا في تخريبه وبذات المعنى حماية المال العام وتنظيم كيفية استقلاله وغيرها من الالتزامات التي تعهدت بها الدوله متمثلة في ميثاقها الوطني فجاء الدستور مسهباً فيما يتعلق بتصفية آثار مايو الأمر الذي شغله بالماضي أكثر من نظرته لواقع الحاضر وآفاق المستقبل. كما تأثر الدستور بالانتفاضة العارمة في 6 ابريل وخروج الشعب بصورة عفوية استصحب الميثاق الوطني هاجس الانتفاضة الأمر الذي جعل الدستور الانتقالي للعام 1985م يقيد الحريات بقوانين مصاحبة فعندما تحدث عن حرية ممارسة الشعائر الدينية قيدها بحدود الآداب والنظام العام والصحة كما قيد دستور 1985م الانتقالي حرية التعبير والنشر والصحافة بحدود القانون وكفل للمواطن الحق في تكوين الجمعيات والاتحادات والنقابات والهئيات وفقاً للقيود التي ينص عليها القانون ثم كفل لجميع المواطنين حق الاجتماع وتسيير المواكب في سلم وبدون عنف وفقاً للقيود التي ينص عليها القانون وكذا حرية الإقامة والتنقل داخل البلاد وخارجها وفقاً للقيود التي ينص عليها القانون واتبع نفس الأسلوب في حرية المراسلات وسريتها الأمر الذي جعل كل بند من البنود التي تحدثت عن الحريات مقيداً بقانون مصاحب يعكس تخوف الميثاق الوطني من تكرار تجربة الانتفاضة الشعبية مما أنعكس سلباً على حريات الدستور الانتقالي للعام 1985م. المساواة: الدستور الانتقالي للعام 2005م يعتبر وليد اتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير 2005م واستهدى بالتجارب الدستورية السابقة ولم يشغل نفسه بماض كما فعل الدستورالانتقالي 1985م وماثله في الحوار الشعبي والمصالحة الوطنية عبر اتفاقية القاهرة الموقعة في يونيو 2005م واتفاقيات فض النزاعات. وفيما يتعلق بالحريات كفل الدستور الحالي المساواة بين الرجال والنساء في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية فقد كان وفقاً للدساتير السابقة للدستور الانتقالي 2005م يكون الابن سودانياً بالجنسية إذا كان والده سودانياً .. وفي الدستور الحالي إضافة لحق المرأة إذ جعل أن يكون الابن سودانياً إذا كانت والدته سودانية أيضا. كما سمح الدستور الانتقالي الحالي بالجمع بين الجنسية السودانية وجنسيات أخرى الأمر الذي لم يحدث في الدساتير السابقة له. نظام الحكم: في الدستور الانتقالي للعام 85 نجد نظام الحكم يتكون من جمعية تأسيسية تتكون من مجلس منتخب تقوم الجمعية بإجازة مشروعات القوانين وتنتخب لها رئيساً وأعضاءً لرأس الدولة ورئيساً للوزراء كما تقوم بالتصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية واتفاقيات القروض بمعنى أن السلطة التشريعية تتكون من رأس الدولة والجمعية التأسيسية والزم الدستور الانتقالي للعام 85 عمر الأهلية لعضوية الجمعية التأسيسية ب 30 عاماً ومدتها 4 سنوات من تاريخ أول دورة لانعقادها. ويكون رأس الدولة السلطة الدستورية العليا وتؤول إليه قيادة قوات الشعب المسلحة. وفقاً للدستور الانتقالي الحالي تتكون السلطة التنفيذية من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء .. رئاسة الجمهورية تتكون من رئيس الجمهورية ونائبين يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة وفي ذلك توسيعًا لدائرة المشاركة من برلمانية إلى شعبية بل فتح الدستور باباً في الطعون في اعمال رئيس الجمهورية ورئاسة الجمهورية لدى المحكمة الدستورية فيما يتعلق بانتهاك الدستور او وثيقة الحقوق او النظام اللامركزي أو اتفاقية السلام الشامل. بينما قرر الدستور الانتقالي للعام 85 عدم جواز التعقيب على اعمال الجمعية التأسيسية ( لا يجوز للمحاكم أو أية سلطة أخرى أن تعقب على الإجراءات في الجمعية التأسيسية استناداً إلى إدعاء بعدم مطابقتها للائحة أو لقواعد الإجراءات) وقيد الدستور الانتقالي للعام 85 إذا أريد اتهام رئيس أو عضو من اعضاء رأس الدولة بانتهاك حرمة الدستور وجوب أن يصدر الاتهام عن الجمعية وأن يقدم الاتهام مكتوباً موقعاً عليه من ربع أعضاء الجمعية التأسيسية كحد أدنى ثم يعرض الاتهام على الجمعية التأسيسية .. وعمر الأهلية لرئاسة الجمهورية 40 عاماً ومدتها 5 سنوات تبدأ من يوم تولي رئيس الجمهورية لمنصبه. كما جاءت الموجهات السياسية للدستور الانتقالي الحالي اعتماد اللامركزية والديمقراطية وظهور مستوى إداري رابع متمثلاً في المستوى الإقليمي وكانت المستويات في السابق ( مستوى اتحادي – مستوى ولائي –مستوى محلي) واستمداد كل الأجهزة الحاكمة لسيادتها من الشعب وجعل الدستور كل الحقوق التي وردت في المواثيق الدولية التي صادق عليها السودان بمضامينها ملزمة وجزءاً من الدستور الأمر الذي جعله اكثر شمولاً. غير أن: غير إن الدستور الانتقالي الحالي افترض وعياً للمواطن وعول على دوره الوطني في الدفاع عن الوطن ونبذ العنف وتجاوز الفوارق والمحافظة على الاموال العامة كما افترض في المواطن الايجابية في المشاركة في التنمية والمشاركة في العمل السياسي والتزام القانون والمحافظة على البيئة العامة ومراعاة مصالح الأمة ... وحتى يكون المواطن العادي بهذا الوعي لانجاح عملية السلام لابد من برنامج تربية وطنية وتوعية علمية مؤسسة حتى نصل بالمواطن البسيط لهذا الوعي وهذه المفاهيم الوطنية من اجل سلام شامل.