عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب (المقدمة في تاريخ الأما (النيمانج) الاجتماعي) ( 2


)
العقيدة :يقول الكاتب إن النمانج (الأم) كانوا يعتقدون بوجود الخالق يسمونه (أبْردِي) ويقولون في لغتهم (إلهي في السماوات العلا أنت خلقت كل شيء إنك على كل شيء قدير ) ولهم مفهوما الإلوهية والربوبية، فأبردي يشير إلى الإلوهية أما (أبدي) فيشير إلى الربوبية .أما الكجور فذكر أن له دور كهنوتي ودنيوي وفي تفسيره لمعنى الكجور قال : ( الكوني) هي القوة الخفية أو الروح التي تتقمص شخص ما بعد إجرائه لطقوس معينة ، وهذه الروح تحمل اسم أول شخص تقمصت فيه فأسماء مثل (كدمالي ، شيلما ، أمسال ) أسماء أشخاص في غابر الأزمان تقمصت فيهم هذه الأرواح فسميت بأسمائهم ،ثم تنقلت في سلالتهم من جيل إلى جيل فحينما نقول ( كوني كدمالي ) فالأول روح تقمصت في الثاني (شخص) فحملت اسمه وبعد وفاة كدمالي الشخص تتقمص هذه الروح وبالاسم نفسه (كوني كدمالي) في أشخاص من سلالته من وقت لآخر . أما الشخص الذي تتقمصه هذه الروح بعد مفارقتها لصاحبها الأول بموته فيطلق عليه (كونقيدو كويدي) ، فإذا تقمصت روح شلما شخص فإنه يعرف من تاريخ تقمصه روح شلما ب(شلمونق كويدي) أي الذي تقمصته روح شلما.
أما الكوير فهو الذي تتقمصه الروح وفق ترتيب معين وتدرج وخلوة واعتكاف وصوم ، فهو درجة أرفع من مجرد كجور .ويسلسل الكاتب مهام الكجور في إنزال الغيث وهذا لكجرة بأعينهم - (والجدير بالذكر أنه كان لأي سلطان من سلاطين (الأما) قدرة على إنزال الغيث حسب اعتقادهم والسلطان ليس بكجور ) – علاج المرضى ، دفع الضرر نحو ( السرقة مثلا وعدم الإنجاب )، التنبؤ ، كشف الجرائم ، الاستنفار للصيد أو الحرب.
كيفية التكجير: يقول الكاتب :تستدعى الروح عند وجود حاجة فيجتمع الناس وينشدون أغانٍ بعينها ذات طابع حماسي فيستثار الشخص فيقوم بأداء حركات معينة كالركض والهرولة والتحرك جيئةً وذهابا والصياح ،ثم يبدأ بالحديث بلغة لا يفهمها إلا أناس معينون ويكون في حالة جذب سماوي ثم يعود لحاله ، وقد يتنبأ الكجور لوحده خاصة في حالات الكوارث حيث يقضي ليله في حركة دائبة داخل منزله وخارجه ، وهو يتحدث بأعلى صوته ويزجر حتى يذهب الظلام ويسفر الصبح فيحدث الناس بنبوءته وما يجب فعله إزائها .
التدرج الروحي للكجور : بعد مضي أربع سنوات من أول تقمص للروح في جسد الكجور يقوم بطقس رمي الأدران كما سماه أستاذنا ، ويذبح له وتثبت له شعبة ذات ثلاث رؤوس في قطيته يضع فيها متعلقات ممارساته ، وبعد مضي أربع سنوات أخرى يأتي طقس الاعتكاف فيذبح وتشيد له خلوة ويعتكف فيها عدة أسابيع ينام خلالها على البساط ولا يجوز له النوم على الأسرة، ويعتزل النساء ويقصده القوم بالزيارة إلا أنه لا يخرج إليهم بل يطوفون حوله وهم ينشدون أغاني حماسية خاصة تمجد أسلافه ، وفي يوم خروجه يحتشد الناس وتلبس نساء عائلته وأقاربه زياً موحدا من السكسك ويخرج الكجور المعتكف متحزماً بقماش أبيض في وسطه مهرولا نحو مكان معين ويهرول الجميع خلفه ،منشدين أغانيهم الحماسية بصورة كورالية ويطلقون الأعيرة النارية بكثافة في الهواء، والنساء يزغردن ،ويقذف حفدته الرماح أمامه، حتى يصل مكانه المحدد فيقف على حجر كبير معين ثم يعود لبيته حيث يذبح له وتبدأ الاحتفالات لعدة أيام ، بعد هذه المناسبة يطلق على الكجور لفظ (كوير) وهي درجة مرموقة في سلك هؤلاء القوم ، فيلبس نوعا من الخرز الأبيض وتثقب أذناه من أعلى عدة ثقوب توضع فيها حلقات من النحاس ، ويلبس في يده أسورة ويحمل سوطا وعصا بطول متر تقريبا تزين بحلقات حديدية منتظمة تسمى هذه العصا (مرشيلنق) ، عادة ما يكون الكوير مرحا يطوف بالطرقات ليتفقد أحوال الناس ويداعب الأطفال ويزرع فيهم البهجة والسرور لكنه لا يأكل في بيوت الناس، بعد أربع سنوات من بلوغ درجة الكوير يذبح الذبائح ويقوم بزيارة ذات الحجر الذي وقف فيه يوم تعميده (كويرا) ويسمى هذا الطقس خبط المعوقات، وبعد أربع سنوات أخرى يذبح أنثى ماعز صغيرة (سخل) ثم يأخذ ديكا ويطوف به على قطيع الماشية ،ويعلقه على باب الزريبة فتخرج الماشية من الزريبة تحته ثم يذبح الديك ويشوى ويؤكل ، ثم يقوم بذبح بقرة ويوضع قرناها على مدخل الدار ، بانتهاء هذا الطقس الذي يسمى ذبح الديك بفترة وجيزة تنتقل الروح لشخص آخر لكنها لا تظهر فيه إلا بوفاة الكجور . وللكوير طابع كهنوتي وكارزمي ووقار وتبجيل ، يخدمه الناس ويوقف المعارك التي تنشب بمجرد إلقاء سوطه الذي يحمله في الأرض دون أن ينبس ببنت شفة .
وحينما يموت الكوير تذبح بقرة ينسج من جلدها العنقريب الذي يحمل فيه إلى مثواه الأخير ، وتحفر حفرة في شكل بئر من جزأين الجزء العلوي بعمق يزيد عن المتر من سطح الأرض وبعرض يزيد عن المتر أيضا ، ثم تفتح فتحة في منتصف البئر بقطر يزيد قليلا عن عرض المنكبين ، ثم تعمق وتوسع حتى تصير غرفة تسع سريرا واحدا ، ثم يؤتى بالسرير الذي صنعوه من جلد البقرة فيوضع بداخلها ، وبعد مغيب الشمس يشيع الكوير حيث يخرج جثمانه من غرفته إلى فناء داره ،ومن ثم يوقف الجثمان معتدلا ويمشي على قدمين حيث يثبته بعضهم ويحرك آخرين رجليه كأنه يسعى حتى يخرج من داره، ثم يحمل ثانية في عنقريبه وسط إطلاق الأعيرة النارية بكثافة فيتقدم الجثمان الموكب ويتبعه ابنه حاملا عصا والده (الميرشليق) ثم جموع المشيعين حتى مثواه حيث يوضع الجثمان على السرير داخل المقبرة كما تدفن الفراعنة ، ويسد ثقب الغرفة ثم يهال التراب على الحفرة العليا ، ثم تبدأ أيام المأتم بالاحتفالات والرقصات على الطبول وقد تستمر شهورا ، أما نساؤه فيدفن بعد موتهن بمقابر شبيهة بمقابر زوجهن مع خلاف بسيط ويوضع بجوار جثامينهن بعض مستلزمات زينتهن من زيت وخلافه في آنية من القرع وغيرها من أشياء يعتقد أنهن يستخدمنها في حياتهن الأخرى .
وفرق أستاذنا بين الكجور والسلطان حيث يقع الخلط بينهما لدى العامة فالكجور أساسه القوة الخفية ( الروح) أما السلطان فلا تتقمصه أي روح ولا يكجر بل يقوم بإنزال المطر عبر خاتمه الجهنمي الموروث ويسمى (توم) ، ونفوذ الكجور في حدود عشيرته أو نطاق تخصصه عدا كجور الجبل الذي يبسط نفوذه على كامل جبله (منطقته) أما السلطان فيمتد سلطانه جميع مناطق (الأما) النيمانج ، وللسلطان عرش يسمى (كودي) أما الكجور فلديه حجر مقدس يقوم بإجراء طقوسه عليه ، والروح التي تتقمص الكجور تنتقل بعد وفاته داخل عشيرته دون ترتيب معين أما السلطان فيرث السلطنة من والده مباشرة ، لكنهما يتشابهان في طريقة الدفن ويختلفان في مكان الدفن . وفرق الكاتب بين الكجور والساحر فذكر أن الساحر لا يتمتع بأية مكانة وغير مرغوب فيه ونظرة المجتمع تجاهه أنه مضر ويتحصنون منه بكيفيات معينة .
لقد أجاد كاتبنا في تناول قضية الكجور وعقائد النوبة قبل دخول الإسلام ووصف ( الأما) النمانج بالتوحيد إلا أنه وفي معرض تناوله لقضية الكجور وصف مجتمعه بالوثنية ولعله لم يقصد حيث وردت هذه الكلمة مرة واحدة في كامل كتابه ، وهذه ما نعيبه عليه فلا ينبغي لباحث موثوقي كهذا أن يخطئ هذا الخطأ حتى ولو على سبيل التوصيف والتقريب ، وكنت قد أنشأت مقالة كاملة في الرد على من وصف عقائدنا قبل دخول الإسلام بالوثنية من الصحفيين أثناء عرضهم لاحتفالات ورق اللوبيا التي أقيمت في النتل غرب الدلنج قبل عامين عنونتها ب( لم نكن وثنيين بل موحدين ) ونشر هذا المقال في صحيفة أجراس الحرية حينها ، والمقال متاح في الإنترنت لمن أراد التوسع ،لكن إن كان لا بدأن أتحدث فأقول : مقتضبا أن الوثن هو الصنم وما كانت لدينا عبادة الأصنام ولا حتى عبادة الأرواح كما تبين ، لكن كان أهلنا يتوسلون ويستغيثون بأسماء أجدادهم الصالحين وجاههم كما تفعل الصوفية بالتوسل بالصالحين لديهم حتى الغد، وما نرى في ذلك شيء وهذا مذهب عامة أهل السودان ، ومن أطلق هذه الكلمة ( الوثنية) على حال أهلنا قبل الإسلام ما كان ليجهل خطل توصيفه ، لكنه أجرى ذلك عن قصد ، حتى نرى تلازم حالنا مع حال المشركين فنرفضُّ عن كامل تقاليدنا وثقافتنا ونتأفف منها ونستعير أخرى، رغم ضيقها بنا ،وتظاهرها عنا، وتضاحكها منا ، إن الله تعالى يقول (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ) البقرة 62 . والصابئون هم كل من يؤمن بالله واليوم الآخر لكنه لا يتعبد برسول ، وهذا حال أهلنا قبل الإسلام ،فينبغي التصحيح .
ثم سرد الكاتب بإفاضة عن المحرمات بدءً بحرمة القتل والزنا وأكل أموال الناس بالباطل وأشار أن عواقبها دنيوية في اعتقاد النيمانج كالصاعقة وموت الأطفال للزناة والأمراض المزمنة الموروثة لأكلة أموال الناس بالباطل غير التشهير عبر الغناء لمرتكب المحرمات ، سوى أنه ذكر خلو مجتمعه من آفة المحرمات وقتذاك ، وأشار للتوبة بعبارة التطهير والاغتسال وفق لغتهم ،وذلك بالاعتراف والذبح لدفع العواقب الدنيوية إلا أن عقوبة التشهير بالغناء تظل باقية عظة واعتبارا ، وأضاف أن (الأما) النيمانج كانوا يعتقدون أن روح المقتول ستنتقم من القاتل فيجمعون ذوي القاتل ويجرون طقوس معينة وينفون القاتل بأهله ، وأورد أن (الأما) النيمانج كانوا يزكون صدقات أموالهم من ماشية أو زرع .
وعن أيمانهم قال أنهم كانوا يقسمون بشعاع الشمس وعزة الوالدين وثرى القبر(التربة) بدارجتنا وعنقريب الجثمان وأسماء أرواح كجرتهم . ثم سرد أستاذنا التقويم عند ( الأما ) وأن السنة عندهم تبدأ بشهر مايو وتنتهي بشهر إبريل ، وسمى الفصول والشهور وقابلها بأسماء الشهور الأفرنجية ، وعدد أستاذنا أعياد (الأما) من عيد الصيد (أفونج)حيث يخرجون للصيد في جماعة ويعزفون ( البوشير) وهي آلة من القرن، وفصل في أحكام الصيد ، ثم تحدث عن عيد (ورق اللوبيا) ( الكونيجار) أهم الأعياد وبين خطأ تسميته بعيد الحصاد حيث أنه لا يقام في أيام الحصاد وسرد طقوسه ، وتحدث عن عيد جدع النار (جال) وذكر أن المغزى منه طرد الأرواح الشريرة بقذف أعواد النيران في الهواء مصحوبة بصرخات . ثم طفق يعدد أنواع الرقصات وكيفيتها من رقصة الكرنق المشهورة ورقصة (بيرين) ورقصة المبارزة ورقصة المناحة وأُخر .
وفي توصيفه للنظام الإداري ذكر أستاذنا أن (الأما) وصلوا إلى ديارهم الأخيرة هذه في القرن الثاني عشر الميلادي ولم يخضعوا منذ وصولهم لسلطة قابضة على رأسها حاكم يصدر الأوامر السلطانية للرعية وتنفذها دون شورى أو جيش منظم بل يقاتل كل الرجال القادرين على القتال، إلا بعد الإنجليز وذكر أن ( الأما) لم ينسجموا مع المهدية رغم انضمام كثير من فرسانهم لها ومقاتلتهم معها ، وشبه نظامهم الإداري بنظام المدن الدويلات اليونانية ، وذكر أن الكجور يبسط سلطته على منطقته وله صلاحيات تصل إلى إعلان الحرب وينقسمون إلى ثمانية مناطق إدارية في كل منطقة كجور يبسط سلطته ، وهناك ما يعرف (بالقدي) وهو مجلس يتولى شئون العشيرة دون تدخل من الكجور أو السلطان إلا في بعض الأمور التنسيقية ، وللمجلس صلاحيات سن القوانين وفرض القيود .ثم سرد أستاذنا حرب الكجور دارجول 1908 وحرب السلطان عجبنا 1915-1917 بوصف شيق وريشة متمكنة تنقلك إلى ساحة الحرب وغبار المعارك وصهيل الخيول فتراها كفاحا وترى بطولات الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا وهي تتقدم فرسان والدها ،ممتطية فرسها رابطة وليدها في ظهرها ممسكة بيسراها عنان فرسها وبيمناها بندقيتها المصوبة في وجه العدو ، فينهزم لديك الموت ، وتُحتقر الحياة ، وتُبتلى الرجولة ، لا استطيع اختزال هذا الفصل فأشيه الصورة ، وأبتذل المعنى الذي قصده الكاتب فعزرا قارئي الكريم ، وحسبي تعزياً أن أحيلك للكتاب .
ختم الأستاذ فصله بذكر مكوك (الأما) لمناطقهم الثمانية ثم تمدد نظارتهم لتضم الصبي والمندل وكاركو ووالي وكتلا وتيمين وجلد تحت إدارة الناظر أمينة دردمة الذي خلفه الناظر كندة كربوس الذي جرت في عهده تغييرات مفصلة في حياة (الأما) النمانج
في فصله الأخير المعنون بالأدب الشفاهي بدأ أستاذنا بعرض الأساطير عند (الأما) النيمانج ، بدءً بأسطورة (كنوغل) الذي أتى إلى ديار ( الأما) الحالية طائرا عند بداية هجرتهم ثم أنه تحدى الموت فتحول إلي حية برأس رجل وسكن إحدى الكهوف وقد يظهر من حين لآخر في الملمات ، إلى أسطورة (ديقيدا) الذي هاجر من تيما كوجا موطن النمانج قبل الآخير إلى ديارهم الحالية شقا تحت الأرض ، إلى أسطورة (ودار) و(موندر) اللذان أنجبتهما شجرة ، إلى أسطورة (ماريما) أصل أسرة السلطان الذين هبطوا من السماء ولا تزال آثار أقدامهم باقية ثم لحقهم جدهم متدلا بفرسه من السماء ، إلى أسطورة (ولا) الذي ولد من ركبة أمه ،إلى أسطورة (نمانغ تسرما) الذي دفن عاما كاملا وخرج حيا من قبره ،إلى أسطورة(شلما) الذي شق الصخرة بسوطه وطرد من داخلها الأرواح الشريرة ، إن قراءتنا لهذه الميثلوجيا تبين لنا اكتظاظ أدب هذه القبيلة بالأساطير الغريبة التي تصلح للرواية والقصة وصناعة الأفلام والتميز فيهم، وترفد أدبنا بإنتاج جديد مميز تقفز به إلى العالمية لإيغالها في الغرابة والتشوق ، فهو بحر جديد بسطه للأدباء أستاذنا بلغة عربية .
وتحت عنوان الحكم والأمثال ترجم لنا أستاذنا خمسة وثلاثين مثلا من لغة ( الأما) للغة العربية تعكس المدى الحضاري الذي بلغته هذه القبيلة وقد تجد من بين أمثاله ما يصادفك معناه عربيا لكن الغالب الأعم لا نجد له موافقا في المعنى من بين ما نعرف من أمثال ، فهذه ثروة أخرى فتح بابها أستاذنا لقراء العربية.
أنهى أستاذنا سفره بعنوان الغناء عند ( الأما) فاعتبره أهم عناصر الأدب الشفاهي ، وعد منطقة (الأما) أكثر المناطق ثراءً في هذا النوع وأهمية غنائهم تبرز في حمله لتاريخهم ، وأرجع تعدد أنماطهم الغنائية لتعدد مجالاته المغطاة غنائيا ، وعدد أساليب الغناء المتبع وقسمه لأغاني الكبار وهي أشبه بملاحم اليونان ،وتحمل قصص التاريخ والأساطير والحروب وأيامهم والقيم الاجتماعية والعقدية والنسيب ، وأغاني النساء ،وأغاني المناحة ، وأغاني الحماسة ، وأغاني البنات ثم قام بترجمة عشرة أغاني من أغاني الأما.
لقد حملتني المتعة التي وجدتها أثناء قراءة هذا السفر للتنويه به ، رغم ابتعادي عن الكتابة فترة ، فهو كتاب تتحفه الجدة ، وتتملكه الغرابة ولا تفارق قارئه الدهشة فضلا عن علميته ورصانته وصدق كاتبه ، فليكن تدشينه ملهما لآخرين ليكتبوا عن بقية قبائلنا بذات النمط ليبينوا للآخر أن لكم ثقافة وحضارة ذات قيمة لا أن تكتفوا بمجرد الهتاف والشعار .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.